ثورة الخراف على جزاريها.!!

سامي عطا


 - مر قرنان على مشروع نهضة العرب الذي لم ينجحوا فيه, ووجدوا أنفسهم في نهاية المطاف يعيشون الفوضى العارمة, وإذا كان بعض مفكري هذه الأمة, قد شعروامنذ وقت مبكر بجسامة وثقل تخلف واقعهم,
مر قرنان على مشروع نهضة العرب الذي لم ينجحوا فيه, ووجدوا أنفسهم في نهاية المطاف يعيشون الفوضى العارمة, وإذا كان بعض مفكري هذه الأمة, قد شعروامنذ وقت مبكر بجسامة وثقل تخلف واقعهم, وصاغ بعضهم ما ظنه مشاريع نهضة, إلا أنها مشاريع لم تنجح, وفي اعتقادي أن جذر المسألة يتلخص في سؤال النهضة كما بدا لهم, حيث جاء تحت إلحاح تقدم الآخر الغرب ومحاولة اقتفاء أثره وتقليده, وجرى التقليد على صعيد الشكل ولم يلامس الجوهر, مع أن كل تقليد سواء كان مستمدا من الآخر الغربي أو الآخر السلف التقليدي لابد أن يفشل, لأنه يظل تقليدا وليس نابعا من المشكلة, إنه حل لمشكلات أخرى, ولأجل ذلك تعثرت تلك المشاريع, لأنها مشاريع لم تلامس مشكلات الواقع, كما أنها لم تنطلق منها, بل انطلقت إما من حالة الانبهار بالآخر أو الحنين للسلف الصالحالحنين للسلف كما نقله لنا تراث تعرض إما للتلفيق والتضخيم في محاسنه وفضائله أو تعرض للتأثيم والتجريم في مساوئه ورذائله.
وباتت الأنظمة العربية تعيش معضلة في شرعيتها وتفتقر للحكم الرشيد, وجوهر المسألة يتلخص بنقمة ولعنة الثروة ” النفط والغاز” في ظل أنظمة تحكمها وتتحكم فيها قوى تقليدية أسست نظاما اقتصاديا استهلاكيا تابعا ومرتهنا , ومما لا شك فيه, أنه لا يمكن إقامة حكم رشيد في منطقة تسبح على مخزون هائل من الثروة , لأن أساسيات الحكم الرشيد , تعني قبل كل شيء ترشيد التعامل مع هذه الثروة, والرشد في المحصلة الأخيرة يستلزم المسؤولية, ولما كان ترشيد الحكم في المنطقة , يعني التعامل المسؤول مع الثروات والمقدرات, لذا فإن الحكم الرشيد الذي تتضمنه كثيرا من وصفات وتوصيات المؤسسات والهيئات العالمية لا تتعدى التمرين اللفظي, لأن أي حكم رشيد سيؤثر سلبا على مصالح قائمة , وميزان الفائدة والمنفعة يميل في صالح مصالح الغرب, وأي تغيير فيه سيترك أثره على الاقتصاد العالمي. الحكم الرشيد يعني وقف هذا الانتاج الضخم من النفط ” سفه الإنتاج” الذي يذهب إلى ودائع رقمية في البنوك العالمية لا تستفيد منه شعوب المنطقة, وهذا أمر محال حدوثه في ظل اقتصاد استهلاكي تابع, ولذلك فإن هذه السياسات الاقتصادية المتبعة في المنطقة ليست من الحكم الرشيد , الحكم الرشيد يعني في المحصلة النهائية, التقليل من الاعتماد على هذه الثروة الناضبة وتوظيفها التوظيف الأمثل, وهو ما لا ينسجم مع المصالح الدولية والاقتصاد العالمي.
إن أي تغيير في السياسات الاقتصادية في المنطقة على غرار ما حدث في إيران منذ العام1979م غير مرحب به أميركيا وأوروبيا, أي حكم رشيد يعني تغيرات جوهرية في الاقتصاد العالمي.
وإذا كانت السياسة بالتعريف الاقتصادي”اقتصاد مكثف”, فإن فوضى المنطقة السياسية تعكس في المقابل فوضى في اقتصاد المنطقة, كما يعكس حالة الفوضى العارمة على كل المستويات, إننا نعيش أزمة خانقة وخللا بنيويا على كافة المستويات, ومن يعتقد بأن تمرين الغرب اللفظي “الحكم الرشيد” الذي تصدح به كل وصفات وتقارير مؤسساته المالية والسياسية يمكن أن يفضي إلى شيء في مصلحة شعوب المنطقة, فإنه يعيش في الخيالات والوهم, الغرب ليس معنيا إلا بمصالحه بدرجة رئيسية ـ وهذا حقه ـ , السياسات الغربية تجاه الآخرين لا تقوم على أساس أنها سياسات معنية بحل تناقضات ومشكلات الآخرين, لأن حلها سيأتي على حساب مصالحه الاقتصادية, وهذا محال أن يحدث, ولذا فإنه ينتهج سياسات تتعامل مع مشكلات وتناقضات المنطقة بالمسكنات وترحيل الأزمات وتأجيلها إن أمكن, والاستفادة مما يحدث وتوظيفه في تحقيق منافعه.
ووفقا للبراجماتية السياسية ما من شيء يحدث إلا ويمكن الاستفادة منه وتوظيفه. وإذا ما نظرنا للفوضى الحاصلة في المنطقة من منظور براجماتية السياسة المتبعة, فإن هذه الفوضى تعطي للولايات المتحدة الأميركية مبررات قوية ـ خصوصا أمام شعبها دافع الضرائب ـ للتواجد العسكري في المنطقة وتبرر تخصيص الميزانيات العسكرية الكبيرة للأساطيل بوصفها منطقة مصالح حيوية للاقتصاد الأميركي.
وباختصار شديد وجود النفط والغاز وبيد قوى تقليدية جاء نقمة على شعوب المنطقة, وباتت الوفرة المالية وسيلة بيد قوى تقليدية لا تمتلك مشروعا سوى المحافظة على بقاء واستمرار أنظمة الاستبداد والطغيان, وهذا يؤكد صحة استخلاص الفيلسوف الانجليزي العظيم برتراند راسل(1872-1970م), حيث خرج في كتابه “أثر العلم في المجتمع” بخلاصة مفادها, أن العلم والوسائل الحديثة والإمكانيات التي يوفرها العلم للأنظمة الشمولية والمستبدة يؤخر أو يطيل زمن هذه الأنظمة, حتى تغدو ثورة الناس فيها ” أشبه بثورة الخراف

قد يعجبك ايضا