الشعوب لا تقهر
علي العماري
أحوال الشعوب شبيهة بحالة البحر مد وجزر غضب وعفو ونهوض ونكوص هدوء وثوران.
وهكذا على الدوام تعيش الشعوب حالة من التعايش والتسامح الترقب والحذر الحلم والأمل لإصلاح الأمور وعندما ينفد صبرها إزاء الحكام تثور ثائرتها ويتصاعد غضبها إلى مستوى غضب الطبيعة والبحر والمحيط الهائجين.
فمن يا ترى يستطيع الوقوف في طريق تسونامي الشعوب الغاضبة المستاءة جدا من حكامها غير المبالين بهمومها وقضاياها وحاضر ومستقبل أجيالها¿
صحيح أن الشعوب تبدو أحيانا كالبحر الميت في حالة غيبوبة وسبات لكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك وإنما جرى حقنها بمواد مخدرة ومنومة تارة باستخدام الدين وتارة أخرى باستعمال المال كسلاح لكسب عواطف الناس والضحك عليهم وحتى اللجوء إلى لغة الترهيب والترغيب لتحقيق مآربهم الخاصة.
نعم تنام الشعوب حينا من الدهر نوما مغناطيسيا على أيدي رجال الدين والإعلام وعلماء النفس والاجتماع الذين سخروا أنفسهم لخدمة أسيادهم بيد أن هذا النوع من التنويم لا يدوم مفعوله طويلا وسرعان ما تستفيق الجموع من غفوتها وتعود إلى واقعها المر لتشمر سواعدها للخلاص من الافيون رغم قساوة الظروف وهول الصدمة والدهشة وقوة الحبوب المنومة المعطلة لقدراتها الذهنية العقلية والجسدية لتنتصر في نهاية المطاف لقضيتها العادلة وقهر كل وسائل وفنون الطغاة لكسر الإرادة الشعبية الحرة المتعطشة دوما للانعتاق من أغلال الانحطاط لحكام العصور الوسطى الموغلة في الجهل والتخلف والفقر والمرض.
ومن يجهلون رغبات الشعوب وتطلعاتها وقدرتها على مقارعة الظلم ومجابة التحديات وتجاوز الصعوبات فإنهم بالتأكيد لا يجيدون قراءة التاريخ بأحداثه العظيمة وتحولاته الكبرى وطرق مساراته المتعرجة بشكل واقعي وسليم.. وبالتالي يفقدون زمام المبادرة والتحكم والسيطرة على السلطة والثروة والجماهير الثائرة ويحاولون النفاذ بجلودهم بالهروب إلى أقرب مكان آمن كما يخال لهم.
وعندما تسقط عروشهم المهترئة تحت أقدام الثوار يطلبون الصفح والاعتذار ولكن بعد فوات الأوان فقد لفظتهم أوطانهم التي تركوها على كف عفريت المصير المجهول وعليهم أن يدفعوا ثمن أفعالهم وحماقاتهم ويلقوا بأنفسهم إلى مزبلة التاريخ كنتيجة حتمية لمن يحفرون قبورهم بأيديهم.
إجمالا الشعوب ميالة للأمن والاستقرار والمحبة والوئام والسلام وتنبذ الحروب التي تفرض عليها من قبل الحكام ولم تشر كتب التاريخ إلى أن شعبا أعلن الحرب على شعب آخر فالقرار دائما بيد من يحكم على خلاف رغبة وإرادة الناس العاديين المسالمين.