شـــــــــــــــلال وادي بنــــــــــــا.. قصيدة خضراء
حــامـــد الفقيـــه
حــامـــد الفقيـــه –
خط قصته على وجه الدهر لتنبض حوله الحياة فمع أهازيج عصافير البكور تشرق شمس ناعسة على قطرات الندى فيلوح للرائي صفحة البساط الأخضر كلوحة من الجنة سنابل القمح تتهامس مع حفيف الرياح الخجولة .وشدو العصافير الجذلاء تتداخل مع موسيقى الرعاء وقطعان الماشية حال الغروب … لتصدح فتيات الحقول حال الشروق بلغة (( العلان )) ومواويلها ..
عزف جوقته الموسيقية بصوت الخرير ليجعل الحياة من حوله تنبض .. ليتغطى غبار الأرض تحت غطاء العشب الأخضر .. وتكتسي السفوح بفائض الحلل في خضرة الأخاديد الجبلية الضيقة يسكن المنبع وفي الأفق تقترب زرقة السماء من الجبال المتناهية في العلو .. هنا الجمال والخضرة توشح كل شيء في رقة ووداعة .. أنتم في حضرة شلال وادي بنا ..
صاده في السهل .. وأكله في الجبل :
على وجة البكور كنا مع عناق ظلال السحاب نتبادل القبلات عبر قطراتها العذراء في حين الصباح الباكر .. من دمت انطلقنا أنا وزميلي في الجامعة أسامة الحسني الفلسطيني الجنسية (( أرواحنا تسابق عجلات سيارتنا لأن أرواحنا كانت تطفو على موجات نسيم البكور جهة الغرب كانت وجهتنا فمن مخلاف العود مررنا وهو يروي عبر صخوره القاسية سيرة ((العود بن سالم )) رجل البأس والصمود وكلما ارتطمت عجلة السيارة بالصخور على الطريق الترابي قلنا فعلا صدقت (ياعود ) وعلى عباب أمواجه في مديرية النادرة دخلنا على مخلاف عمار القابع أهله على قمم سلسلة جبال عمار وتذكرنا المثل القائل ( كالغراب لا يأكل صيده إلا على رأس الحيد )وهو ينطبق على سكان المخلاف حينما يأخذون وجباتهم من قاع المدن فيركبون ويعانون عناء الرجوع إلى رأس الحيد ليأكلون طعامهم ليس الخوف يا صديقي ولكنهم يقتربون من فوج الهناء الملكوتي في السماء الدنيا وهاهي مديرية السدة تفتح ذراعيها كعذراء ريفية تعيش روح المدينة وعلى وجهها نموش سوداء تزينه فمن بيت الرداعي والساقية الجارية طوال العام إلى المسقاة و(ذو الريد) الذي يعود تسميتها نسبة إلى التبع الحميري (ذو ريدان ) .
أغنية الزمان وعذوبة اللحن :
وعلى بعد كيلو متر تركنا سيارتنا على جانب الطريق الإسفلتي وعرضنا مشيا على الأقدام حتى واجهنا لوحة طبيعية بيوت مغروسة وسط واحة خضراء كانت قرية ( بيت الفائق ) المطلة على الشلال ثلاثة من الأطفال كانوا دليلنا اتجهنا نحو الأسفل وكلنا شوق لرؤية صاحب العود والقيثارة الصادحة بأعذب الألحان فكنا ونحن على مقربة من الشلال نسمع صوتا ولا نرى صاحب الصوت لكثافة الشجر المتجمهرة حوله على صورة المياه تجلى لي صوت الشاعر مطهر الإرياني وعذوبة التراث على عود الآنسي وهما يطمئنانا : خطر غصن القنا
وارد على الماء نزل وادي بنا
ومر جنبي وباجفانه رنا
نحوى وصوب سهامه واعتنى
وصاب قلبي أنا يابوي أنا
أمان يا نازل الوادي أمان
كانت مياه الشلال تتناثر من علو شاهق ومن وسط خضرة الشجيرات التي نمت على الصخور كان الوقت لازال باكرا ومع ذاك وجدنا أكثر من زائر وعائلة يفترشون البساط الأخضر ويطربون لموسيقى الشلال ويلتهمون ما كان على سفرة الطعام…
وللصائم غمسة الري :
ليست مياه التبرك الهندوسية ذات الطابع الوثني البوذية ولا مياه الأكراد ذات الروح المقدسة . إنها مياه الخير فللصائم المستغرق في العطش أن يترك ثيابه تتخلى عنه ويتقدم نحو الشلال ليطفئ لهيب المسامات المحترقة ليروي الجسد بطريقته الخاصة . كما فعلنا نحن ألقينا أنفسنا وإذا بأسناننا تصطك مرتعشة لبرودة الماء وبطيش شبابي مرح فتحنا علبتين من مشروب شارك وكأننا أمام عدسة إعلان تجاري .وعلى الصخرة المتعرضة للشمس تقرفصنا حول جسدنا لنكتسب دفئا وريا للعطش في نفس اللحظة.
حكاية السفر وموسيقى الوصول :
ومع انخفاضك نحو الشلال تجد صوته يتعالى وهديره يشتد تفتح شغاف حواسك وتنصت مسمعا وهو يروي قصة وصوله كيف يبعث الحياة حيثما حل ويرسم البسمة على شفاه المزارعين والرعاة والزائرين .كل قطرة تروي قصة وهى تشكل مع ضوء الشمس ( قوس قزح ) تعانقه الفراشات لتلبسه ألوانا بهية ففي أيام الصيف تكون الفرجة والاستجمام هي الغالبة لشدة هيجان الشلال وصعوبة الرؤية بين قطرات الماء.
على ضفتي الشلال حلل الجنة تلبسها الأراضى مخضرة فالمزارع يعني له رمز الخير لأنه يسقى مزروعاته فعلى ضفاف الوادي يزرع الذرة الشامية والرفيعة والبر والشعير وبعض الخضار كالطماطم والبطاط والكوسة والخيار. فابتداء من المنبع في السدة إلى ضفاف ينابع العود الى مدينة دمت حتى يصب في دلتا أبين وهناك يصب الشلال ف