إعصار الربيع.. سقوط الأنظمة أم الأقنعة..!
محمد محمد ابراهيم
تطور الحياة وأساليبها في التواصل بين العالم اسهم في تقصير عمر الأنظمة السياسية في المنطقة العربية لتستبين قيم بقائها في حدود العدالة الاجتماعية المقرونة غالبا بصرامة القانون وقوة رمز النظام المتسيد على المشهدين السياسي والجماهيري فتغيرت أساليب الخطاب وتداعت تطورات المشهد التاريخي العربي وعبر محطات سياسية عكست تحولات الحياة السياسية والسطلوية والإدارية وأهمها الانتقال من الاستعمار إلى الاستقلال ومن الملكيات إلى الجمهوريات وغيرها من المسميات التي عكست مستويات التطور المفاهيمي للخطاب السياسي وشعارات الساسة التي تقود الشارع والحراك الجماهيري..
فالمد التحرري تلاه المد الإنعتاقي من التسيد إلى الحكم الذي يمنح الجمهور حق اختيار الحاكم وقöيس بقاء كل نظام بعد ذلك بقدرته ومرونته مع تطور الوعي والمعرفة واشباع رغبة الشعوب العربية في حلم الخلاص من كل أنواع الاستعمار والوصاية الخارجية والحكم الفردي وكان هذا السياق النضالي أكثر الأقنعة السياسية نجاحا لارتباطه بوجدان الشعوب العربية..
أتى بعد ذلك شعار” حكم الشعب نفسه بنفسه” فيما يجهل الكل القوة الخفية التي تصنع إرادة الشعب ذاتها وتحرك الجماهير باتجاه حكم نفسه عبر قوى سياسية فرضت نفسها بشعارات الجديد فيها إنها خلاصة لوجع الجماهير من النظام ليظل جوهر الخطاب السياسي العربي يراوح مسار التأكيد على أهمية رعاية الشعوب ومنحها حقها وفي إطار خطاب قومي يستند إلى قاعدة تاريخية من الانتصارات الاسلامية فلجأت الأنظمة إلى تركيز خطابها على قضية عربية تستمد وهجها من هذا المد القومي والديني وكانت فلسطين وتحريرها هي القضية المحورية في تحريك الجماهير العربية..
طموح الشعوب في المشاركة في الحكم أو في صناعة واختيار الحاكم كان هو التطور اللافت في نضالات الأمة العربية لكنه كان السور الأخير والحاجب بين جوهر الغايات من الصراع السياسي على الصعد الداخلية للمجتمعات وبين شعارات الساسة الذين يقودون الصراع في محطات تاريخية تتشابه ظروفها وتتغير شعاراتها فانزاح الستار عن استراتيجيات الصعود إلى الحكم كصراع على السلطة وليس على خدمة الشعب كما ترويها أقنعة السياسة الملونة بالقيم المزيفة فبرزت للواجهة قضايا وطنية محورية في إطار كل بلد لتغيب القضية المحورية للأمة..
ولأن الأنظمة الحاكمية كانت تتمتع بقوة ومناعة وطنية وقومية كان لا بد من إذكاء الصراع تحت مظلة الطموح السلطوي المشروع لكل فرد والجهاد المفروض عقيدة وشرعا لتحرير أفغانستان من الاستعمار السوفييتي وكان هذا قناعا سياسيا خطيرا سقطت آخر غيماته بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م فكانت بذرة السيطرة الدولية الجديدة تحت ما يسمى بمكافحة الارهاب والتدخل الدولي لمنح الشعوب حقها في الديمقراطية وهو القناع السياسي الأخطر الذي سقط مع أول جرعات الديمقراطية في العراق الشقيق في مطلع الألفية الثالثة..
قد يكون هذا الطرح من باب عقدة العربي التآمرية التي يصر المثقفون على ترديدها وتصديقها ونكاد نؤمن بها لكن التداعي الدراماتيكي الذي حصل بعد العام 2006م وهو عام تسريبات (موقع ويكيليكس) التي ضربت ما تبقى من ثقة الشعوب بأنظمتها وأملها في الوحدة العربية المنشودة منذ الأزل ولصالح قوى عارضت أنظمتها زمنا طويلا فانبرت هذه القوى العاجزة إلى تأجيج الجماهير وباندفاع كبير من التطرف دون دراسة ما سيترتب على تلك الخطوات المبتكرة لخطاب سياسي جديد يناهض العمالة والوصاية السرية.. ليراود العام 2010م عتبة النهاية والشارع العربي على مشارف ربيع عربي لم يزهر هذه المرة تغييرا حتميا لصالح الأحلام العربية القومية وإنما أزهر تجزئة جديدة في مصائر القضايا الوطنية ليدخل الجدل السياسي إلى الأسر والبيوت خصوصا بعد أن سقط قناع التغيير والمستقبل المشرق والانتصار على الفقر في دوامة الصراع المستفحل في دمار الشعوب..
الدول الكبرى راقبت الوضع عن كثب في الشارع التونسي وبعدها المصري ثم الليبي ثم السوري ثم اليمني بينما القوى السياسية التي لاحت لها فرص الوصول إلى الحكم تنبش في ما تبقى من أجساد الأنظمة العميلة لكنها سرعان ما تضع نفسها في مسار العمالة من خلال ترحيبها واهتمامها بتصريحات الدول الكبرى التي تدعو أنظمة الربيع إلى احترام إرادة الشعوب.. وما أن تدعو الطرفين إلى عدم العنف حتى تشن الساحات العربية جام غضبها على هذه الدول وعملائها الخونة وأنها تريد تكريس الأنظمة المستبدة وووو وغيرها..
هنا أدركت الدول الكبرى أن الحل الوحيد بل والسبيل الأنجع لمزيد من التفتيت للجسد العربي وإذكاء الصراع هو تشجيع ال