سلطة الاعتبارات وطغيان الماضي

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - من الأشياء التي توارثناها كابرا عن كابر والتي أحسب أنها تصيبنا بالعقم الثقافي والأخلاقي قضية "الاعتبارات" وهي قضية شائكة سواء في ثقافتنا أو في سلوكياتنا
من الأشياء التي توارثناها كابرا عن كابر والتي أحسب أنها تصيبنا بالعقم الثقافي والأخلاقي قضية “الاعتبارات” وهي قضية شائكة سواء في ثقافتنا أو في سلوكياتنا وأخلاقنا وجذورها تضرب في أعماق التاريخ لذلك فليس بمستغرب كل تلك التداعيات التي تحدثها في حياتنا والانتكاسات التي تتركها وراءها وحجم الغبار الذي يعمي بصائرنا وبصيرتنا والذي تثيره جلبتها وخطواتها في واقع الحياة.
لا أريد من أحد أن يفهمني أنني أدعو إلى الإلغاء والعدمية وطمس الآثار والأطلال ولكنني أشدما أكون حرصا على إنزال كل أحد منزلته وفق أسس العطاء والبذل والتقسيم السليم لكل الأثر بين ظهرانينا أي يجب أن نقول لأولئك أو لهؤلاء إنكم أحسنتم في موضع كذا وأخفقتم في موضع كذا وأضررتم بمصالح الناس والوطن في موضع كذا كما أن طرحكم كان غير سليم وهذا هي الآثار السلبية أما نتقبل كل شيء ونظل نردده كالببغاء دون عرضه ودراسة ناتجة فذلك هو الباطل الذي يوجع الناس ويدفعهم إلى الاصطفافات والتحيزات وأكاد أدعي أنه السبب المباشر في هزائمنا وانتكاساتنا المتوالية.
ولست معنيا هنا بأقوال الفلاسفة حول الجنس السامي والجنس الآري ومدى قدرة الآريين على التفلسف وعلى التركيب والربط والجمع بين وحدة الموضوع وانتفاء تلك القدرة من الجنس السامي فذلك أمر قد يكون مدركا في حياتنا ومقروءا في واقعنا القريب أو البعيد ولكني سأكون أكثر حرصا وأكثر اعتناء بقراءة هذه المقولة الفلسفية التي نصها كالتالي:
الساميون يعتنقون التوحيد المطلق الذي يتمشى مع فطر تهم الساذجة وقد أثر هذا على نظمهم السياسية والاجتماعية والدينية ولعل المتأمل في التاريخ السياسي للأمم جمعاء بوعي المقارنة بين الأمم من حيث التقسيم المتعارف عليه يدرك أن الدول الأوربية تتنكر لأولئك الذين أحدثوا حالات انتقالية نوعية بمجرد أن يلمسوا خيرات ذلك الحدث ومثل ذلك نحن السامين نراه خيانة ونكران جميل في حين تراه تلك الأمم دورا تاريخيا كان من الواجب القيام به وعليه الاكتفاء به لأن هالة الحدث وتوجهه قد يساعد على يقظة النرجسية وطغيان “الأنا” والنزوع إلى التأله والتفرد والبطل الأسطورة ومثل ذلك أمر يتنافى مع أسس التفكير السليم والبصيرة النافذة لذلك فجل زعماء أوروبا التاريخيين هزموا في الانتخابات أو أقيلوا من مناصبهم بمجرد قيامهم بالأدوار التاريخية ذات الصفة الانتقالية والمؤثرة في الوجدان الجمعي لشعوبهم أما نحن فنرى أن من المحال القيام بذلك الدور ومن أحدثه يملك صفات خارقة للعادة ونكاد ننفي صفة القدرة عن من سوى ذلك البطل الأسطورة والملهم ومثل ذلك أو قريب منه في البناءات الاجتماعية في مستوياتها المتعددة وهو ينزاح إلى البناءات الثقافية فضلا عن تجذره في البنية السياسية وفي نظمها التاريخية والحديثة ومثل ذلك يحدث برغم أن الأسس الفكرية والعقدية للإسلام تحض على التدبر والتفكير وربط الجزئيات مع بعضها للوصول إلى الحقيقة المتكاملة بتكامل أجزائها الموضوعية.
مثل ذلك الاطناب كان ضروريا للحديث عن عقدة الاعتبارات التي كانت وما تزال تفرض قيودا فكرية ونفسية واجتماعية على واقعنا خاصة وقد كثر الحديث عن الدولة المدنية الحديثة وقبل الحديث عنها أرى أن نعيد قراءة معوقات الوصول ونقد الظواهر وغربلة الأسس والمنطلقات الفكرية والثقافة فالثورة الثقافية هي المهاد الحقيقي للثورة السياسية التي تحدث الانتقال في المجتمع وفي ظني أن التعامل مع ماهو كائن من منطلق أنه موجود خذلان وتعطيل لديناميكية الحركة الفكرية والاجتماعية والأجدر بنا أن نتعامل مع إرثنا الثقافي بوعي الحداثة التي وصل إليها الإنسان وبروح الناقد وبتطلعات الثائر نتمكن من السيطرة على مقاليد المستقبل.

قد يعجبك ايضا