ريو ……إنهم يرقصون

عبد الرحمن بجاش

 - أربعة أيام تفصل بين ما هو إنساني وان تتحول بفعل التكرار إلى مجرد أي شيء , تأكل ...تشرب ...تقذف بما في جوفك إلى أقرب حفره !! لا فرق بينك وبين الحيوان إلا

أربعة أيام تفصل بين ما هو إنساني وان تتحول بفعل التكرار إلى مجرد أي شيء , تأكل …تشرب …تقذف بما في جوفك إلى أقرب حفره !! لا فرق بينك وبين الحيوان إلا بمدى استفادة الأرض بمخرجات الحيوان التي تتكون من حشائش خضراء !! , هناك في ريودي جانيرو يضع الإنسان تعبه, وإحباطاته, وهمومه , ويترك العنان لجسده يتمايل رقصا , انه تعبير الإنسان عن تخلصه من همومه بالرقص , وانظر فالبرازيليين إما أن يكونوا لاعبين من حجم ريفيلينو, وبيليه ورونالدو, أو راقصين , فإن لم, فيكونوا عازفين , وبالمطلق فلا تستطيع أن تتبين الأميركي الشمالي سوى بالجيتار , ويبدو أن للمحيط الذي لا يحده حدود أثره في تعود الأجساد على الرقص , والرقص أكثر لغات الكون تعبيرا عما في الأعماق , أو هو التعبير عن علاقة الجسد بما حوله , وحيث تأتي الرياح تصفر , وصوت الرعد يدوي , والبرق يمر بسرعة الشهب تتكون موسيقى الكون انغام تهتزلها الأجساد على الشواطئ أولها في الريو وآخرها في كوبا التي تغني لأي نغم , وتهتز لحية كاسترو كما تهتز أعماق الفاتنات فرحا بزقزقة عصفور أو صوت البرق يشد أوتار القلوب , فلا تعد تفرق بين هذا أو ذاك , بشر يتخلص من همومه ويواجه فقره بهزة اللحظة- ونحن يرقصونا على الجثث والأشلاء-, يعيشها, يمتلكها ,يطوعها لمصلحته , فيجد نفسه بعد أربعة أيام من الرقص واستبدال الألوان والملابس إنسانا متجددا , يتنكر للدنيا كما تتنكر له أيام أربعه فيكشف عن وجهه ليجد المحيط وقد تحول إلى غابات من الألوان , أربعة أيام هي مهرجان الألوان أو كرنفال الريو حيث يأتي العالم إلى البرازيل ليرقص ويتنكر , وينسى ويضع همومه جانبا , يحاول أن يفرح بل هو يفرح إذ لا طريقة أخرى للتشبث في تلابيب الحياة ,وتخيل أن يتحول شعب خلال أربعة أيام إلى كائنات تفرح فقط , فيم الشاطئ الآخر من العالم هناك حيث يبدأ من ضفة المتوسط يرقص الناس حول جثثهم , يذبحون بعضهم , يكبرون همومهم كل لحظة , لا يقبلون بالآخر إلا حين يكون جثة هامدة , بشر يتنابز بالمذهبية باسم الدين , والعرق باسم الدين , وهناك حيث يرقصون لا يسألون بعضهم عن العرق والدين والأصل والأسرة والعائلة أنت إنسان ذلك يكفي , ومن بعد ضفاف المتوسط إلى الشرق ترى الدماء تسيل والسكاكين تحد ولا تدري إلى أين المسير , وهناك يرقصون ويغنون ويعلمون أنهم سيخرجون من اللحظة الكائنة إلى لحظة سيفرحون فيها بعيونهم وأجسادهم , حيث سترقص البرازيل ابتهاجا بكأس العالم في يونيو الآتي , حيث سيذهب العالم إلى ريو وغيرها من مدن الرقص ليرقص كرة ولا أحلى , وان ترقص الكرة أو ترقص جسدك فالنغم واحد , في الأولى تسمع أنغام نفسك وفي الثانية أنغام الجيتار اللاتيني !!نحن نقتل بعضنا , وهم يضمون الأجساد إلى بعضها ويرقصون ويغنون وربك ينزل غيثه مدرارا فهم لا يحسدون بعضهم ولا يقتلون من يختلف معهم , والرقص أسمى أدوات التعبير عن تقارب البشر وتماهيهم وحتى عن اختلافهم!! , وانظر إلى أرجل من يرقصون ستجدها تتوحد مع حركات العيون وهفهفة أجفانها, فتخضر الأنفس ,ويجلو النظر, ويحس الإنسان كم هو إنسان بالمادة والمعنى !! , ونحن فا(الشرح )في قرانا لم يعد يمايل الأجساد ويسيل عرق الهموم بفعل الادعاء بأن الشرح عيب , والبرع لم يعد يلون صباحات أعيادنا بعد أن مات قارعو الطاسة والمرفع !! وفي مدارسنا توقفت حصص الموسيقى بادعاء إنها حرام , كان عليهم أولا أن يوقفوا صفير الرياح , وهفهفة أجنحة الطيور وصوت الدردوش في الأودية , وزقزقات العصافير , كان عليهم ان يصدروا قرارا بتوقيف الرياح عن الصفير , والسماء تمنع من أن تظهر قوس قزح على صدرها , هنا فقط سنوافق , وانظر فكلما حاول المستقبل أن يلج من الباب استدعوا التخلف بكل برقيات المناشدة إلا يحل عن الديار , وكلما حاول الجهل حياء مغادرة الديار استحلفوه بالله ألا يتركنا , وكلما حاولت الصحة أن تستوطن أجسادنا وسطولها وترجوها أن تترك الموت ينهش أعمارنا , وكلما حاولت الخضرة موسيقى وغناء ورقص أن تلون شطآن حياتنا استدعوا الطبيعة لأن ترسل كل الأعاصير تقتلعنا من جذورنا , ويا ريودي جانيرو لك الألق ….ولنا الغبار ….

قد يعجبك ايضا