الجماهير أذكى من النخب!!
فتحي الشرماني
خير ما في هذه المرحلة المنطوية من عمر التسوية السياسية أن أحداثها المؤلمة ونوازلها قادت من حيث لا تعلم قوى الشر إلى توحيد الجماهير اليمنية تحت إرادة واحدة وتصميم واحد على الخروج بالوطن إلى بر الأمان وصناعة يمن جديد مهما كان حجم التضحيات.
ففي حين ظلت النخب اليمنية تتشارك عملية تسيير المشهد السياسي برؤى تتباين وتتقارب فإن الجماهير ظلت تتخلص كل يوم من تبايناتها التي كانت على أشدها في 2011م بتعدد الميادين والساحات والشعارات, ومع مضي القيادة السياسية في تنفيذ متطلبات الانتقال على إيقاع المبادرة الخليجية ظلت الجماهير تزداد اندماجا وتوحدا في دعم عملية التوافق السياسي ومباركة خطواتها, حتى وصلنا إلى مرحلة نحس فيها أن الجماهير تتهيأ ذاتيا للانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة (الدولة), ويتنامى وعيها كل يوم بأن الرئيس عبد ربه منصور هادي يقود المرحلة بحكمة وحنكة وثبات, وأنه عازم – مهما كان الثمن – على صناعة مداميك قوية وراسخة لمستقبل هذا الوطن المتمثل في دولة مدنية حديثة يشارك في بنائها كل اليمنيين.
وفي حين تتوحد الجماهير حول هذا الهدف تجد بعض النخب أكثر ميلا إلى استحضار مشهد الفرقة والانقسام القديم, ولا تزال تتشبث بمسألة الحشد والحشد الآخر, ليثبت كل طرف خطأ الآخر, وهذا في حقيقة الأمر دليل على أن الجماهير أذكى من النخب التي تعاني اليوم سوء فهم وتقييم لموقف الشارع اليمني اليوم في الجنوب والشمال على السواء, لاسيما بعد خروج مؤتمر الحوار الوطني بنتائج توافقية مرضية لجميع الأطراف وإثبات الرئيس عبدربه منصور هادي أنه رجل المرحلة الذي تصطف خلفه الجماهير وتؤمن بكل ما يقدöم عليه من خطوات.
فالجماهير اليوم في رأيي تستعصي على أي احتشاد لا يهدف إلى الحفاظ على المنجزات التوافقية التي جاءت بها المرحلة, بل تأكدوا أننا لن نسمع صوتا مدويا لجماهير غفيرة في أي ساحة أو ميدان إلا وهذا الصوت يؤكد ضرورة استكمال استحقاقات هذه المرحلة والاستمرار في الثبات أمام أي أعاصير تهدف إلى إيقاف عجلة الانتقال, وليس ذلك إلا لأن الشعب اليمني يقدر تقديرا عاليا قيمة المبادرة الخليجية التي جاءت طوق نجاة حال دون أن ينزلق الوطن إلى المجهول, ولنا اليوم في ما هو حاصل في دول عربية أخرى دروس وعبر.
هذا ما ينبغي أن تدركه أية نخبة تريد اليوم قيادة الجماهير والاستقواء بها, إذ لا اصطفاف جماهيري إلا حول الجهود التي يتفانى في أدائها الرئيس هادي ومعه القوى السياسية وجميع القوى المتحاورة من أجل أن يرى وطننا النور ويتذوق طعم الاستقرار الحقيقي ليبدأ مشواره في طريق البناء التنموي والنهوض على مختلف المستويات.
أما من يختار الخروج عن هذه الإرادة الشعبية فلا بد أن يعلم أنه يبحر عكس التيار الوطني الجامع, ولن يصل إلى أي شيء مهما حاول أن يبقي على الجذوة مشتعلة في بعض المحافظات الجنوبية, بعد أن أدرك أن الشعب اليمني هناك عرف طريقه, وأن الصدق والجدية والإصرار في معالجة أخطاء الماضي في طريقها إلى إعلان نهاية الأزمة.
وأيضا ولن يصل إلى شيء مهما حاول أن يفتعل كل مظاهر العنف وإغراق الوطن بالقوارب التي تحمل الموت لليمنيين وإغراق الوطن في الفوضى, فاليمنيون جميعهم يصرون على صناعة مستقبل جديد تطوى فيه صفحة الماضي إلى الأبد لتنطلق مسيرة النهوض, وإن صنع الأشرار ما صنعوا.
fathi9595@gmail.com