محمد رسول الله مؤسس الفيدرالية
أ.د/ محمد أحمد السعيدي
لازلنا نسمع العديد من الأصوات التي تبدي تخوفها أو عدم ارتياحها أو شكها بالحكم الاتحادي (الفيدرالي) باعتباره مجرد تقليد غير ضروري لدول غربية فضلا عما قد يترتب عليه من عواقب ليس أقلها احتمال أن يكون مقدمة للتفتت والتشرذم بحسب تصور البعض رغم كثرة ما طرح من تحليلات مؤيدة لهذا النظام .
وقد كنت ممن ساهم بدراسة بعنوان ((شكل الدولة ونظام الحكم)) قدمتها لمؤتمر الحوار في بداية أعماله ونشرت في صحيفة 26 سبتمبر وبعض المواقع الإخبارية توصلت فيها إلى نتيجة مؤداها أن النظام الاتحادي يعد النظام الأفضل إذا تم تطبيقه بالشكل الأمثل . معتمدا في ذلك على دراسات لي سابقة عن الحضارة البشرية. كما اقترحت فيها تطبيق النظام الرئاسي باعتباره الأمثل في حالة اليمن .
ومع استمرار احتدام النقاش للتشكيك في هذا النظام عدت لدراسة الموضوع من جديد معتمدا هذه المرة على المصادر الإسلامية فقادني البحث إلى نتيجة قد يعجب لها الكثير ألا وهي أن الدولة الإسلامية ذاتها قد أسسها سيد خلق الله نبي الهدى محمد(صلى الله عليه وسلم) في شكل دولة اتحادية (فيدرالية) .
ففي معرض تحليله للمبادئ التي تضمنها دستور المدينة المنورة(النواة الأولى للدولة الإسلامية) الذي خطه سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم) يستنتج الأستاذ الدكتور حسين مؤنسي أعظم علماء الحضارة الإسلامية (في حدود معرفتي المتواضعة) في كتاب له بعنوان((عالم الإسلام)) يستنتج أن نظام الحكم في المدينة المنورة اتحادي أو ما يسمى في مصطلح اليوم فيدراليا. بمعنى أنه يتكون من وحدات كل وحدة منها مستقلة في إدارة شئونها الداخلية أما الاتحاد بينها فيكون في مسائل الدين وحمايته ونشره وتطبيق شريعته ومبادئه الأخلاقية وكذا في شئون الدفاع والحرب والسلم أي العلاقات الخارجية .
فبحسب الدكتور حسين مؤنسي أن نواة الأمة الإسلامية تتكون من تسع وحدات واحدة منها اجتماعية وهم المهاجرون والثمان الباقية وحدات قبلية من أهل المدينة مابين أوس وخزرج وغيرهم.
وكل وحدة من هذه الوحدات تدخل الجماعة بنظامها الداخلي الخاص بها (على ربعتهم) وهم يقومون بمسئولياتهم وإدارة شئونهم الاقتصادية والاجتماعية متعاونين في ما بينهم . وأساس التنظيم الداخلي لكل وحدة هو العرف الجاري والعدل والمساواة بين أفرادها .
إذ وقع خلاف بين نفر من أعضاء الجماعة ولم يستطيعوا الوصول إلى حل أو اتفاق فلا بد لهم من أن يعرضوا الأمر على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ليقضي فيه بأمر الله. والمادة(61) من الدستور تقول إنه إذا وقع بين أهل هذه الصحيفة حدث أو شجار خطير فإن الفصل فيه يكون لمحمد (صلى الله عليه وسلم) أي لرئيس الجماعة وهذه المادة خطوة بعد المادة (28) الواردة في الجزء الأول, فهى تحدد التزام أفراد الجماعة بعرض القضايا الهامة ونقط الخلاف التي يخشى أن تؤدي إلى ضرر للجماعة كلها على رئيس الجماعة (رئيس الدولة ) تحديدا دقيقا.
كما أكد الدستور أن الأمة وحدة متماسكة وهي في مجموعها مسئولة عن الأمن الداخلي فلا بد لها من محاسبة كل معتد أو مفسد من بين أعضائها أي كان وأن سلم الأمة كلها واحد فلا يعقد مسلم أو قبيلة داخلة في الأمة سلما منفردا في حالة حرب ولا يتم السلم إلا بناء على اتفاق المسلمين , وإن دخل المسلمون حربا أو وقع عليهم اعتداء وأصيب بعضهم فإن الأمة كلها تتعاون في تحمل التبعات وتعويض الخسائر .
وقد وعدت المجموعات اليهودية التي بقت في المدينة أمة مع المسلمين أي جزء من الأمة ولكنهم يحتفظون بدينهم حيث نصت المادة (30) من دستور المدينة على ((لليهود دينهم وللمسلمين دينهم )) وذلك يقرر مبدأ الحرية الدينية داخل الجماعة بأوضح صورة .
وربما لو تعمق المتخصصون في دراسة تاريخ الحضارة اليمنية القديمة لوجدوا فيها أصلا أو الجذور الأولى للنظام الاتحادي.
فما وصلنا من أخبار تدل على أن اليمن كانت مكونة من مخاليف يرأس كل منها قيل وكل مخلاف مكون من عدة قبل ومناطق وكان هناك مجلس يتكون على الأغلب من الأقيال وكبار رجالات الدولة والحكماء درج علماء التاريخ والفقه على اعتباره مجرد مجلس للشورى في أخف وأبسط معانيها .
ورغم أن الأمر ليس ضمن اختصاصي ولكن المنطق عندي يقتضي أن المجلس هذا له دلالة تتخطى ما درج على اعتباره مجرد جهاز استشاري فهو يختص بأمور أكبر بكثير من مجرد إبداء رأي وتقديم مشورة ويتجاوزها إلى اختصاصات تشريعية (حق إصدار القوانين بمنطق العصر ) بل ربما قضائية أيضا. فالخالق جل وعلا بقدرته في محكم كتابه قد ذكر الشورى في مواطنها ((وأمرهم شورى بي