السماوي.. في ترحاله بين الشرق والغرب

الحسن محمد سعيد

معرفتي بالأستاذ/ أحمد عبد الرحمن السماوي تعود لنهايات عام 1985م وبدايات عام 1986.. لقد عملت في تلك الفترة مستشارا قانونيا للبنك اليمني للإنشاء والتعمير.. وكان الأستاذ/ السماوي زمنئذ رئيسا لمجلس إدارته..
ومن الطرائف أنه ذكر لي أن تعييني في البنك تم من وراء ظهره.. وأنا نفسي كنت مترددا في العمل لأن المرتب الذي منح لي كان لا يتناسب ومؤهلاتي وخبرتي… وكان قياسي بالطبع هم زملائي الذين اغتربوا في الخليج أو التحقوا بمنظمات دوليه وإقليمية.. ولكن تشاء الأقدار أمرا بخلاف رغبتينا!!..
وحينما فاتحته بأمر مرتبي الذي لا يناسبني بعدئذ– وكان وقتها قد تعرفت إليه جيدا ولعله عرف قدري – قال لي ضاحكا : ” لو كنت فاتحتني في هذا الأمر في وقت قبل هذا لتخلصت منك !!..”
ما لفت نظري في الأستاذ أحمد بساطته وصدق سعيه وحرصه على مصلحة البنك وآمواله وصلابة عزمه في مقاومة ما يراه معوجا.. فقد كان ذا مöرة نبيلة..
كان إذا اطمأن إلى شخص آمنه ومنحه ثقته واحترامه… وحمدت الله أنني في سنواتي الأولى في اليمن عملت مع مسؤول مثله..
خلال عملي معه لاحظت أنه يجري بعض التعديلات على المذكرات التي تكتب باسمه.. كان يتدخل معدلا للعبارة لتصبح موجزة ناصعة البيان تؤدي الغرض المطلوب..
في بداياتي كنت أتضايق من هذا التدخل إذ لم أعتد عليه خلال عملي في السودان.. ربما كانت حالتي تلك حالة اعتداد بالنفس!! رغم أنني وبعد فترة من التأمل أجد التعديل الذي تم في محله.. وربما العبارة المعدلة أصبحت أكثر ملاءمة ولعلها أفصح كلمة وأعقل توجها وأهدأ نبرة.. إضافة لذلك كله لم أسأل نفسي بأن المذكرة باسمه ومن هذا المنطلق من حقه أن يتدخل في المكتوب الذي يحمل أسمه..
وأذكر في عام 1990 توقف عن العمل وجلس في بيته زاهدا في منصبه كرئيس لمجلس إدارة البنك اليمني للإنشاء والتعمير.. فقد سبق له أن قدم استقالته عدة مرات ولكن السلطات العليا في الدولة لم تقبلها..
ذهبت إليه في منزله بحي الزراعة ذات مساء لبعض شأني.. وأذكر وقتها أننا تحدثنا طويلا حول اجتياح صدام حسين للكويت.. ومالا يفوتني حاله الذي ما يزال مطبوعا في خاطري إذ كان في غاية الاستياء والتشاؤم.. ولعل شيئا ما في داخله كان يعصر قلبه بالمصير الأسود الذي سيعصف بالمنطقة!! .. وثبت الآن أن حدúسه كان يقينا..
عند نهاية اللقاء أهداني كتابه الأول في أدب الرحلات (رحله إلى الأندلس المفقود) وهو كتاب يتحدث فيه عن رحلته لأسبانيا..
أقبلت على هذا الكتاب بلهفة بالغة.. شدني فيه الحديث عن (الأندلس المفقود) وكثرة المعلومات التي وردت فيه وتداخل اللغة الإسبانية مع العربية التي أمدت لغة الفرنجة وأثرúتها بمفردات كثرت أم قلت !!..
وأثناء القراءة عادت بي الذاكرة إلى أيام التلمذة في المدرسة (الابتدائية الوسطى) وحصص (المحفوظات وتسميعها) وما اختارته إدارة التعليم السودانية في ذلك الوقت من قصائد شعرية من عيون الشعر العربي قديمة الجاهلي والإسلامي في العصر الأموي والعباسي والأندلسي وشعراء المهجر والشعر الحديث بعد عصر الإنحطاط.. وسرح ذهني في ابن زيدون وعشقه لولادة بنت المستكفي… هذه الشاعرة الخلاسية الجميلة التي أخذت من أمها الجارية الرومية حسنها في بشرتها البيضاء وشعرها الأشقر وعينيها الزرقاوين ومن والدها العربي الأموي الخليفة المستكفي بالله تعالى فصاحة لسانه وقوة بيانه… فنالت جوامع الحسن من منابته..
هام بها ابن زيدون حبا فقال فيها (نونيته الشهيرة) التي كانت من ضمن منهج الدراسة الابتدائية (أضحى التنائي) ويحضرني منها هذا البيت الذي يجسد اللوعة:
يكاد حين تناجيكم ضمائرنا يقضى علينا الأسى لولا تأسينا
كان ذلك الكتاب مفاجأة ممتعة.. لقد عملت مع الأستاذ خمس سنوات وما عرفت عنه هذه القدرات الأدبية الكبيرة وأنا العاشق للأدب والهاوي في ربوعه.. ربما لو عرفت لتعمقت صلتي به إلى أبعد مما كان من علاقة العمل ورسمياته..
وعندها تأملت ما كان يجريه الأستاذ أحمد من تعديلات بخطه المميز وقلمه الأحمر على المذكرات التي تكتب بأسمه.. فتأكدت لي حقيقة أنه لم يكن (تكنوقراطيا) من التقنيين الذين تستغرقهم الوظيفة العامة ولكنه إلى جانب مهنيته كان مثقفا مبدعا من بيت علم وثقافة..
ما يميز الأستاذ / أحمد السماوي فيما يكتب من (أدب الرحلات) أنه لا ينقل مشاهداته للقارئ فحسب وإنما يعمق تلك المشاهدات بمعلومات ثـرة ومفيدة يستخلصها من المراجع التي يلجأ إليها الأمر الذي يجعل منه كاتبا مجتهدا يحترم قلمه..
حينما طلب من رئيس الجمهورية إحالته للمعاش من الوظيفة العامة كمحافظ للبنك المركزي اليمني وتمت أحالته وفق

قد يعجبك ايضا