الدولة الاتحادية
عبدالرحمن مراد

مقالة
الدولة الاتحادية الفيدرالية التي توافق عليها جل المكون السياسي الوطني ليست نظاما مبتدعا وليست هي الشر كله وليست هي التجزئة كما يتخيل الكثير من أولئك الذين كانت لهم مواقف منها بل نكاد نجزم أن الذين يزرعون الخوف من الفيدرالية كانوا هم من دعاتها ومن المزايدين بها فالحزب الاشتراكي نشر في بداية تشكيل مؤتمر الحوار رؤية كانت قائمة على نظام الفيدرالية وهي رؤية كانت متقدمة على واقعها وكانت أكثر قربا من تطلعات النخبة الثقافية الوطنية ونراه الآن يقف موقفا مضادا من تلك الرؤية وثمة أسماء أكاديمية وناشطة سياسيا كانت ترى في الفيدرالية الخيار الأمثل وما تزال أوراق عملها في الندوات والفعاليات الثقافية بين يدي وأراها بين الفينة والأخرى تطل في هذه الصحيفة أو تلك وهي تبدل في رؤيتها وموقفها ومثل ذلك يجعلنا ندرك أن الشأن الوطني يغيب حين تشعر الذات أن مصلحتها قابلة للتشظي وواقعة تحت مطرقة الضرر في المستقبل والذات تظل ذاتا لا يمكنها التجرد من نوازعها وهي تغيب في المنهجية العلمية وغيابها ليس كليا بل تظهر وبنسب مفاوتة حسب المكون الثقافي والاجتماعي والاستعداد النفسي والذهني لكل فرد وموضوع بناء الدولة في اليمن أخذ قسطا وافرا من النقاش منذ 2006م وحتى اللحظة وحضور الرؤى طوال هذا الزمن كان مكثفا وحضرت مؤسسات المجتمع المدني بقوة مضاعفة عما كانت عليه قبل ذلك الزمن ولم تكن وسائل الإعلام بمعزل عن الخوض في الموضوع فقد حاولت بيان مميزات الأنظمة وبيان أشكالها في كل بقاع المعمورة ولم تفرض رأيا على جمهور الملتقى بل كانت غايتها الوعي بالأشكال العالمية عند الجمهور اليمني تاركة له الخيار وثمة ندوات ثقافية وعلمية خاضت في هذا الموضوع إلى أن وصل ذروته من حيث التأكيد عليه في مخرجات الحوار الوطني وحين بدأ التنفيذ برز الخائفون على مصالحهم تحت شمس الواقع كمنقلبين على أعقابهم.
والنظام الفيدرالي كما هو في المفهوم الأكاديمي عند فقهاء علم السياسية هو نظام سياسي وإداري يستهدف توحيد المجتمع والدولة وفق ترتيبات إجرائية ذات طابع مؤسسي ينقل المجتمع من حالة الأنشطار إلى التوحد ومن حالة المركزية الجامدة إلى حالة التداخل المرن بين المركز والمحليات في سياق مجتمعي وسياسي تمثله الدولة وتحفظ توازنه السياسي.
ونحن ندرك أن المركزية تركت روحا منقسمة على ذاتها وعملت على يقظة الهويات المجزأة والتاريخية فالحراك الجنوبي لم يكن إلا تعبيرا عن حالة قهرية وحالة تسلطية والحركة الحوثية في شمال الشمال لم تكن إلا تعبيرا عن موجة طغيان انبثقت من بين أنيابها الحركة لعتكون بهذا الامتداد الأفقي والرأسي في الجغرافيا الوطنية كما أن النزعة الاجتماعية والتاريخية في تهامة لم تكن إلا تعبيرا عن حالة الاستلاب التي يشعر بها الإنسان فالانقسام في المجتمع كان قائما بسبب التمايز والقارئ الممعن في خارطة الصف الأول في قيادة الدولة المدني والعسكرية والاقتصادي يجد تقاسما بعينه في إطر جغرافية بعينها تركت ظلالا نفسيا لم يجد نفسه إلا تعبيرا عن حالات قهرية متنوعة ومتعددة ومن هنا تكون الحاجة إلى الفيدرالية والدولة الاتحادية حتى نتمكن من توحيد المجزأ في حالة من التداخل المرن والتوازن الذي تحفظه وتمثله الدولة.
فالنظام الفيدرالي هو التعبير الأمثل للشراكة الوطنية في الثورة والسلطة ونحن نلحظ أن المركزية في عقودها التي مضت منذ اندلاع الثورة مطلع الستينيات من القرن الماضي لم تستطع أن تنهض بالمستوى الإنمائي ولم تستطع أن تستقر فالصراع كان في مظهره وجوهره صراع اجتماعي قائم على استئثار جماعة أو كتلة تنتمي لجغرافية بعينها ولعرق بعينه ولذلك غياب الشعب كله أو جله عن الشراكة الوطنية الحقيقية وكان الانقسام متباعد الجمرات ومتواريا تحت أكوام الرماد ويبرز متى تهيأت له المناخات الملائمة وشعر بارتخاء القبضة وبحالة الضعف في جدار الدولة المنيع.
والتنوع في البناءات الاجتماعية الذي تفرضه عوامل التاريخ والجغرافيا والثقافيات يتبعه تنوع في البناءات الثقافية وهذا التنوع والتعدد بالضرورة يرغب في الامتلاء والشعور بالمعنة والقيمة ولا يمكن أن يصل إلى غاياته النفسية والثقافية والاجتماعية والوجودية إلا بإعادة ترتيب شكل الدولة في علاقاتها مع المجتمع ومؤسساته المختلفة.
وتأسيسا على ذلك فالقول بالفيدرالية أصبح ضرورة تفرضها حاجة المجتمع إلى الاستقرار والتنمية وحاجته إلى البناءات المؤسسية القادرة على تحقيق الوجود وبالتالي حالات الاستقرار والتحديث هو مطلب شعبي والتشبث بالماضي نكوص.. لا مبرر موضوعي له.