كل خصوم الأمس معنيون بتذكر نعمة اليوم
فتحي الشرماني
فلسفة الذكرى وأخذ العبرة لها مكان رفيع في ديننا الإسلامي الحنيف لأنها إعمال للعقل في قراءة الحقائق, حتى يشعر الإنسان بقيمة حضور العناية الإلهية في أشد الظروف حلكة وانغلاقا, ولهذا فليس مطلوبا من اليمنيين أن يتركوا الماضي ويتركوا معه أخذ العبرة من الأخطاء والمعارك والحروب التي أزهقت فيها مئات الأرواح وآلاف الجرحى, كما لا ينبغي أن نترك استشعار قيمة ما وصلنا إليه اليوم من توافق عادت معه الحياة ولا تزال تعود إلى طبيعتها, ولعل هذا الإحساس هو ما يجعل الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية حريصا على تذكير اليمنيين بما كانوا عليه ومقارنة ذلك بما وصلوا إليه ليزداد إصرارهم على تحقيق كثير من المكاسب الوطنية على طريق البناء الصحيح لمستقبل أجيالهم.
كيف لنا أن ننسى ما كان في الماضي القريب من متارس ومواجهات في قلب المدن .. كانت صنعاء عاصمة منقسمة بين فريقين, ورحى الحرب تدور في شوارعها وأحيائها, وما مواجهات الحصبة وحروب ضواحي العاصمة التي شهدت معارك سالت فيها الدماء عنا ببعيد!!.
وفي نموذج آخر كيف لنا أن ننسى تعز تلك المدينة التي كانت هي الأخرى منقسمة بين فريقين ومرتفعاتها موزعة بينهم, ولا زلنا نتذكر معارك الحصöب والمطار القديم التي سالت فيها الدماء .. بل لن ننسى تلك القذائف التي كانت تسقط على بعض الأحياء في وسط المدينة لتقتل وتجرح, وفي مشهد كان مفتوحا على كل التوقعات, ومرشحا للانتقال بصور أعنف إلى كل مديرية من مديريات المحافظات اليمنية.
اليوم تتعمق الأحياء والشوارع في العودة إلى طبيعتها, والناس لم يعودوا يتركون الشوارع منذ الثامنة مساء خوفا من ذلك القتل الموزع في كل مكان .. وحسب هذه المقارنة أن تدفعنا إلى حماية المستقبل من تكرار ما حصل وتذكر نعمة الله في إخراج وطننا من ذلك النفق المظلم الذي يخرج منه بعض أشقائنا العرب حتى اليوم, وإن كنا لا نزال نحن واقعين تحت وطأة الانفلات الأمني وجرائم الاغتيالات المتكررة.
ما أريد الوصول إليه هو أن كل فرقائنا السياسيين – خصوم الأمس وشركاء اليوم – معنيون بهذا التذكر لنعمة السلام والجلوس إلى الحوار والخروج بحلول توافقية, على الرغم من كل الصعوبات التي لاتزال تعترضهم.
ينبغي أن يتذكر جميع الفرقاء هذه النعمة بعيدا عن تذكر من كان على خطأ وكان المبادر الأول إلى العنف, أو من كان على صواب ووقع عليه الظلم, فيكفي أن يتذكر الجميع أن الله لم يقل للأوس وحدهم أو للخزرج وحدهم: اذكروا نعمة الله عليكم بأن أنقذتكم من بطش الطرف الآخر, وإنما قال لجميع الأنصار: (واذúكروا نöعúمت اللهö عليúكمú إöذú كنúتمú أعúداء فألف بيúن قلوبöكمú), ولم يقل للموالي والعبيد وغيرهم من المستضعفين الذين تركوا مكة: اذكروا نعمة الهجرة, فقد صرتم أحرارا, وإنما قال لجميع المهاجرين: (واذúكروا إöذú أنúتمú قلöيل مسúتضúعفون فöي الúأرúضö تخافون أنú يتخطفكم الناس فآواكمú وأيدكمú بöنصúرöهö).
لهذا نقول: جميع الفرقاء مطالبون اليوم بتذكر نعمة السلام, ومطالبون بزيادة الحرص على تجنيب وطننا مخاطر أية أزمات تعصف بأمنه واستقراره ..ولئن شكرتم الله على ما منحكم من السلام والتوافق ليزيدنكم من فضله.. فهل أدركتم ذلك¿!