قراءة في تقرير برلماني حول مشاريع المياه والصرف الصحي 2-2
محمد العريقي
استعرضنا في موضوع الاسبوع الماضي ابرز النقاط الجوهرية التي تضمنها التقرير الميداني للجنة المياه والبيئة بمجلس النواب حول مشاريع المياه والصرف الصحي في تسع محافظات , وتركزت على المشاريع المتعثرة منذ عام 2007م وحتى 2012م , والاسباب كثيرة ومنها عدم وجود مخصصات كافية لتنفيذ تلك المشاريع , رغم أنها ترصد في الموازنة الاستثمارية ( ولكنها حبر على ورق ليس إلا) فبعضها ظهرت مخصصاتها ولكنها تسقط من سنة إلى اخرى , وهناك اشكالية بين ما يعد ويوصف في البرنامج الاستثماري وبين ماهو منفذ في أرض الواقع .
وفي هذا الموضوع سوف نقراء في أهم الملاحظات العامة التي وردت في تقرير اللجنة على الهيئات والمؤسسات التابعة لوزارة المياه والبيئة .
فالنزول الميداني كان لامانة العاصمة وثمان محافظات , تنفذ فيها مشاريع مياه وصرف صحي من قبل هيئة مياه الريف والمؤسسات المحلية بتلك المحافظات .
ولأن قضية المياه والصرف الصحي متداخلة ومتشعبة تطال ابعادها إلى أكثر من جهة ومنها على سبيل المثال هيئة الموارد المائية التي تقود وتشرف على أدارة الموارد المائية , وفي هذا الصدد اوضح التقرير أن دور الهيئة لايزال ضعيفا , ولاتزال تعاني من عدم التفاعل من السلطة المحلية وكذا المركزية مما انعكس سلبا في ادارة الاحواض المائية . ولان هناك تاثير مباشر لمشاريع المياه والصرف الصحي على البيئة , فقد تبين أن الهيئة العامة لحماية البيئة هي الاخرى تعاني من اختلالات ونقص في الموارد المالية , وأن الكثير من التقارير البيئية لم يعمل بها , وخاصة فيما يتعلق بالتلوث .
أما هيئة مياه الريف ومشاريع الصرف الصحي في المناطق الريفية فكان نصيبهما غزير من تلك الملاحظات , وتركزت تلك الملاحظات على اختلال في ألية تنفيذ المشاريع التي لا تحقق مبدا العدالة , وارتفاع عدد الأبار الفاشلة , وضعف المتابعة , وتدني نسبة التغطية , والبطء في البت في العديد من مناقصات المياه والصرف الصحي .
وكالعادة فإن مسألة التنسيق تبدو منعدمة في كثير من الامور , فقد برزت بشكل واضح في مشاريع المياه والصرف الصحي , حيث لاتنسيق مع المجالس المحلية وبين الجهات العاملة في هذا القطاع , وافتقار العديد من المشاريع للدراسات العلمية والعملية , وهذه اشكالية نلمسها في مختلف المجالات ليس في قطاع المياه فقط , والملاحظة الاهم هي تزايد المديونيات المستحقة للمؤسسات المحلية للمياه والصرف الصحي لدى مختلف الجهات , فقد بلغت المديونية في تلك المحافظات ما يقارب ثلاثة عشر مليار ريال , أما عن مستوى الخدمة فهناك عدم رضا تام , لأن المياه لم تصل بالكميات الكافية , هناك تزايد في الفاقد مما يحتاج إلى معالجات حاسمة لتلك المشكلة .
وبكل حسرة والم تتكرر الشكوى من ظاهرة الحفر العشوائي للإبار وتعميقها في كل الدراسات والتقارير وكذلك مخاطر التلوث , وهو ما جاء أيضا في هذا التقرير .
وكالعادة , تتجه الانظار عند تفاقم هذه المشاكل للدور القانوني , وهو ما سعى التقرير التنبيه إلى قانون المياه رقم 33 لعام 2002.
فرغم أن التقرير أشار لملاحظة أساسية تتعلق بالحوكمة , حيث اعتبر أن هناك قصور في القانون , اذ لم يعكس المبادى الدولية لحوكمة المياه الصالحة للشرب على سبيل المثال ( تغريم الملوث , واعتبار المياه سلعة اقتصادية , واتباع منهج حفظ المياه …الى غير ذلك من الملاحظات المتعلقة بالقانون ) , فمع تقديري للتركيز على هذا الموضوع , استطيع أن اقول أن القانون شمل من المبادى والمفاهيم وتبنى العديد من الاجراءات التي تستوعب كل تلك الملاحظات , لكن كما هو معروف في بلادنا ليس العيب في القانون , وانما عدم وجود الفاعل والتفعيل العملي والميداني لتلك القوانين ومنها قانون المياه .
أن ذكر هذه الملاحظات ليس بغرض عرض الغسيل الملوث لتلك الجهات , وانما للفت الانتباه , وتدارك ما هو معيب ومضر ومستنزف لموارد البلاد المالية وتلافي أي مظاهر للفساد والافساد ومعالجة ذلك في اطار التنسيق المشترك للوصول الى كفاءة الاداء والاستخدام لهذه المشاريع , لأنها مرتبطة بحياة الناس.
لاشك أن مثل هذه التقرير تعكس الحاجة لمعالجات جادة لمشاريع المياه والصرف الصحي التي يتطلع المواطن ال خدمات متميزة منها , كما أن هذه التقارير لن يكون ذات جدوى اذا اكتفينا فقط بإعدادها وقراءتها , ورميها بأرفف المكاتب , وانما لابد من الاستفادة منها , والاستعانة بها في محاسبة المقصرين , وبذلك نستطيع أن نقول أن مجلس النواب قد وفق في دوره التشريعي والرقابي .