العدالة والمساواة في الاسلام
د / أشواق غليس*
يعبر مفهوم العدالة عن روح الإسلام وجوهره . ففي اللغة المعنى الأصل لكلمة العدل هي التسوية في المعاملة لذلك فإن دعوة الإسلام إلى مبدأ العدل هي دعوة إلى المساواة بين البشر . فالعدالة من المفردات الغنية بفلسفة الوجود الإنساني . وفي القرآن الكريم يعبر عن معنى العدالة بالميزان القسط و الحق وهي مفردات تؤكد على مقاصد الشريعة الإسلامية في إقامة المجتمع المسلم كما صور في الكتاب والسنة وإلى السنن الكونية والاجتماعية عند الابتعاد عن هذه الغاية .
فالعدل ميزان الله في الأرض و به يتحقق الاستخلاف بالعمران في الأرض والذي هو عام وخاص . ففي الأول استخلاف للبشر كافة بالعمران في الأرض وفي الثاني الاستخلاف لبعض البشر في تسيير أمور الناس بما يصلح دينهم ودنياهم . وعلى هذا الأساس تمثل العدالة أحد القيود الدينية والسياسية للحد من تسلط الحاكم وهيمنته الكاملة على مقاليد الأمور دون مراعاة لمقاصد الحكم وأغراضه أو مصالح المحكومين وواجباته نحوهم وحقوقهم عليه ولذلك حرص الفكر السياسي الإسلامي عامة على الاهتمام بهذا الشرط على الأقل على المستوى الفكري . ويتمثل البعد السياسي لمفهوم العدالة في أمرين يتعلق أولهما في الربط بين العدالة والسياسة الشرعية بمفهومها الواسع وهو التقيد بمقاصد الشريعة الإسلامية ولذلك كان أهمية تقيد الحاكم بمعرفته بالشريعة الإسلامية فيما نصت فيه وبالاجتهاد بما هو أقرب إلى الحق فيما لا نص فيه. ويتمثل الأمر الثاني في ارتباط أداء الحاكم للمهام والمسئوليات وواجبات هذا المنصب الخطير وقيامه بها خير قيام بكونه يتصف بالعدالة ذلك أن وظائف هذا المنصب الخطير لن يتحقق على الوجه الذي تبتغيه الشريعة الإسلامية إلا بتوافر هذا الشرط فيمن يتولى مقاليد الحكم بل إن أهمية هذا المنصب وخطورته تدفع إلى القول بأن الحاكم العادل أيا كانت مسمياته و ألقابه غالبا لن يولي سائر المناصب الإدارية و السياسية التي تليه إلا من كان عدلا مثله متصفا بصفاته أو على الأقل يكون قريبا منها. فقد عبر عن هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الكتاب الذي بعث به إلى أبي موسى الأشعري إذ ولاه القضاء فقال له: ” أس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك”.
و يشير القرآن الكريم إلى المعنى الأخلاقي في مدلول كلمة العدالة حيث يقول المولى عز وجل “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء على أنفسكم أو الوالدين والأقربين فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا” سورة النساء آية135.وهو هنا ربط بين أمرين فكرة الإنصاف والعدالة في الإنصاف بأنها فطرة في خلق يريد أن ينصف الآخرين وأن يبادله الآخرون ذلك لتستقيم المجتمعات وبين صفة الظلم في خلق أنحرف عن العدل نهى الله سبحانه وتعالى عنه بعدم إتباع الهوى في الأمر والإسراف فيه الذي يقود إلى عدم الصلاح والفساد في الأرض مما يكون مدخلا لعدم الطاعة. حيث يقول الله تعالى” ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون” الشعراء أية152 -151.
ولذلك كان عدم الطاعة والفساد و الإسراف فيه وعدم الصلاح أمور تعبر عن الانحراف عن العدالة فهي القيمة العليا التي تندرج تحتها كل القيم الأخرى فالحرية والمساواة آليات للسلوك في التعبير عن العدالة بحسب الاختلاف في الأداء الذي يقوم به الإنسان فالمساواة ليست مطلقة و إنما حقوق توهب للإنسان وفق مقتضيات العدالة التي تقتضي وجود علاقة اختلاف ومساواة في آن واحد ولما كان التنوع والاختلاف الفكري والاجتماعي والسياسي أمر محتوم في الطبيعة الإنسانية كان لابد أن تكون الدائرة التي تجمع بين العدالة والمساواة هي حقوق الممارسة والقدرة على التعبير والحصول على الحقوق والتمكن في إبراز الاختلافات بين الناس وعدم التهميش والتمييز والإقصاء واحترام حقوق الآخر وعدم الاعتداء عليه واحترام التعددية الفكرية والسياسية من خلال مقتضيات العقل وذلك وفق الاختلاف المشروع في الإسلام .ولذلك أعتبر أن الحاكم الغير عادل في توزيع آلية المساواة ظالما لنفسه وللآخرين غير مؤتمنا عليه في إدارة شؤون الدولة وتدبير شؤون الرعية. فمن مقتضيات العدالة السياسية أن يكون الحاكم محايدا أمام اتجاهات وأفكار الناس السياسية والاجتماعية فلا واسطة مناطقية أو مذهبية أو قبلية فالدولة ليست مهمتها تغيير أفكارهم ولا اتجاهاتهم بحسب هذه الواسطة وإنما حماية أمنهم وتسيير أمورهم وحياتهم بما يحقق كرامتهم واستقرارهم وهي العدالة المعبرة عن “المساواة أمام القانون” والتي ارتبطت بالقضاء ال