أميركا.. حين يثلج بعض الإرهاب صدرها

فتحي الشرماني


 - ألا تنظر أميركا إلى النقطة التي وصلت إليها اليوم جهودها في مكافحة الإرهاب¿ بإمكانها أن تلقي نظرة على خارطة تواجد الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط لتعرف – وهي تعرف - أي منعطف وصلت إليه في صراعها مع هذه الجماعات..
ألا تنظر أميركا إلى النقطة التي وصلت إليها اليوم جهودها في مكافحة الإرهاب¿ بإمكانها أن تلقي نظرة على خارطة تواجد الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط لتعرف – وهي تعرف – أي منعطف وصلت إليه في صراعها مع هذه الجماعات.. إن الطبيبة أمريكا لا ترغب بمعالجة الورم, ولكنها تتعمد حقن المريض بعدة أدوية تحاول إنعاشه, وفي الوقت نفسه تفتح جسمه لنمو ألف خلية من خلايا الفيروس.
تظل أمريكا في إصرارها على فرز ما يجري من إرهاب في المنطقة, وكأن هناك في رأيها إرهابا مقبولا وآخر غير مقبول.. فهي تحارب إرهاب جماعات وتغض الطرف عن إرهاب جماعات أخرى وعن إرهاب الدولة في بعض الأقطار العربية.. كما أنها تألم لقتلى إرهاب الجماعات, وتشيح بوجهها عن جثث ومعتقلي إرهاب الدولة.. واليوم يصل الوضع إلى مستوى من الخطر قد ينذر بحدوث ما لا تحمد عقباه.. فمن هو من الطائفة السنية في العراق ويطالب بحقوق المواطنة تقفل الأبواب دونه وتوجه له تهمة الإرهاب أو إيواء الإرهابيين, فالطائفيون هناك يجعلون من الإرهاب شماعة لضرب المدنيين والمدن ذات الأغلبية السنية.. وفي مصر يزج العسكر بالإسلاميين وغيرهم من القوى التي تعارضهم ويعملون فيهم القتل والتنكيل منذ بضعة أشهر تحت تهمة (الإرهاب).. وأخاف أن يتحول الأمر في نهاية المطاف إلى أن يصبح كل مسلم في مصر هو الإرهاب, وكل سني في العراق هو الإرهاب.
كل هذه الفوضى التي تجتاح المنطقة تحدث في ظل رعاية أمريكا, التي تصر على التغابي أمام ما يحدث أو تصر على التذبذب في المواقف كما صنعت في موقفها مع ثورة الربيع العربي الذي يعيش اليوم في قلب الخريف في تونس وليبيا ومصر.. يحدث هذا في الوقت الذي يتحول فيه اليوم ما تسميه أمريكا (الشرق الأوسط) إلى واحة لنمو وتوالد مئات الجماعات المتشددة والأكثر تشددا.. فالتشدد والغلو يحرص اليوم على أن يجد نفسه في كل مدينة.. والمتشددون يزدادون إصرارا على رؤاهم وعصبياتهم كلما رأوا أمريكا أكثر إمعانا في مباركة الاستئثار والاستحواذ ونسف كل قيم ومبادئ التعايش بين الطوائف والمذاهب والانتماءات, ابتداء مما فعلته في العراق بعد غزوه, وانتهاء بفرحها بما يحدث في مصر ولا تزال تشجعه, وها هي اليوم تفعل فعلها في اليمن, حين تمارس ضغوطها لتفكيك سلفي دماج بتهجيرهم وأبناء المنطقة من أرضهم في مأساة إنسانية أجمعت على رفضها كل الآراء وكل الاتجاهات, وقد وصفها الكاتب العربي الكبير عبدالباري عطوان بأنها قضية (تهجير القرن الـ21).
إن الجماعات الدينية التي تعزل نفسها ولا تريد الدخول في السياسة نجد أمريكا تعمل بكل قوة من أجل استفزازهم, وتبارك إيذاءهم والتضييق عليهم, وكأنها تسعى بكل قوة من أجل تحويلهم إلى مشاريع انتحارية, يفتحون النار على أنفسهم وعلى الآخرين.
أما الجماعات الدينية التي تختلط بالجمهور وتقتنع بممارسة العمل السياسي والتنافس في البرامج على أساس ديمقراطي فنجد أمريكا أحيانا تؤلب عليهم بقية الفرقاء, وأحيانا ترفع في وجوههم الكرت الأحمر (تهمة دعم الإرهاب) كما صنعت مؤخرا مع الأمين العام لحزب الرشاد اليمني.. فأصبحنا لا نحن نقضي على الإرهاب, ولا نحن نسمح للجماعات الدينية المعتدلة أن تثبت أنها ليست جماعات إرهابية¿
في اليمن أيضا كلفتنا حرب أمريكا على الإرهاب الشيء الكثير من أمننا واستقرارنا والتعايش بين مختلف تياراتنا الدينية.. أصبحنا مع مكافحة الإرهاب في سباق العصا والجزرة, وفي متوالية قد لا تنتهي, نقتلهم ويقتلوننا, نطاردهم ويطاردوننا, نقصفهم بالطائرات بدون (طيار) فيفجروننا بالسيارات بدون (سواق)!!
حين ننشط يهدؤون, وحين نهدأ ينشطون, وحين نفرح بضربهم يحزنون لصرعاهم, وحين نحزن يفرحون لأنهم يأخذون بثأرهم كما يزعمون, وهكذا دواليك. والحقيقة تقول: إن أمريكا لم تنجح في حربها على الإرهاب, ولكنها نجحت في إبقاء الطائرات العمياء تحلق في سماء الوطن لتقتل المواطنين بطريق الخطأ في كل مرة, وبالتالي تتوسع دائرة النقمة والحقد في صفوف القبائل وغير ذلك مما يضعهم أمام خيارات العنف وجها لوجه.
عموما, يبدو أن أمريكا تحارب الإرهاب ولا تريد القضاء عليه!!, بل إنها تحاربه ليسمن من دماء الشعوب, وستظل أمريكا تتحدث عن الإرهاب, وستظل تعطر مجالسها بذكره, في الوقت الذي تعمد فيه إلى خلط الأوراق والتعامل مع الإرهاب بمزاجية, وهو ما ستدرك أمريكا عواقبه في الأخير, إذا لم تعدل عن هذا النهج في التعامل مع الإرهاب إلى نهج إيجابي يؤتي ثماره في القضاء على هذه الآفة الخبيثة.
أما المسؤولون في اليمن فإنهم ينبغي أن يكونوا

قد يعجبك ايضا