لا شيء غير التسامح
علي أحمد عبده قاسم
أعجبني عنوان مقال للكاتب والروائي/ عزالدين مهيوبي كان العنوان “كثير من التاريخ وقليل من الذاكرة” في المقال بين رؤية بعض الكتاب للتاريخ وتحدث في مضمون المقال إن العرب عموما لا يستفيدون من التاريخ فكل حدث جديد يلغي الحدث السابق ونتغنى بالجديد وننسى ما قبله وقد أعجبت كثيرا بذلك المقال وأسلوب الكاتب الساخر والممتع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا في هذا الحديث: هل العرب يتناسون الأحداث التاريخية فعلا¿! لعلي أكون مع تناسي العرب للأحداث التاريخية الجسام والتي تتعلق بالصراع الفكري والمذهبي الذي مزق أوصال الأمة وأخرج الأمة من مضمار الحضارة إلى أزقة التخلف ومن طريق المقصدية الخيرية إلى سبيل الشر والضعف فلا يخفى على أحد الصراع الفكري الذي حدث في العصر العباسي بين الفلاسفة والأطراف الأخرى المناوئة والتي بدأت بتكفير الفلاسفة وإخوان الصفاء ومروق المعتزلة وأحرقت كتب الكندي والمعتزلة وابن رشد بوصف تلك الكتب تتعارض مع الدين والإسلام ولكن أحرقت الكتب واستمرت السطور باقية خالدة لليوم ومنذ ذلك الزمن والعرب في حالة من الاختلاف الفكري بين العقل والنقل ما بين أدوار العقل في حدود النص ولأن الاختلاف دليل ثراء فإن الصراع برهان تخلف.. وتلك الأحداث الفكرية فاصلة في تاريخ العرب إلا أنهم لم يتمكنوا من الاستفادة ولعل مرتكزها يتمحور حول الانفتاح والتسامح والذي لم يجد له في الذاكرة العربية مكانا أو حتى حيزا من التعايش الفكري ولأن الطائفية هذه القضية التي تفت في جسد العرب فإن السياسة تفتح ملفاتها خلال مراحل الضعف والتمزق فها هي الاسطوانة الجديدة في مرحلة العرب الآنية تتمثل بالطائفية والكراهية والعرب يدشنون مفاتيحها بجدة لا مسبوقة وبفضاء إعلامي مفتوح يترك أبواب الكراهية التي تؤدي للاقتتال فاتحة أذرعتها للدماء والكل يدعي الحق ولا يترك للشخصية المتلقية حرية الاختيار ويتناسى العرب التاريخ الحافل بالصراعات السياسية الفكرية ولم يتمكنوا حتى من الاستفادة من الآخر الذي جرب الحروب والطائفية وفي الوقت الذي لم يجد جدوى من تلك الصراعات فإن قناعاته قررت القول “لا شيء غير التسامح والتعايش” باعتبار ذلك مفتاح التطور والاستقرار مما يعكس أن العرب لا يتصارعون فكريا بوصف ذلك علامة ثراء وتنمية ونهوض وإنما صراعهم سياسي بامتياز تحت عباءة الدين للوصول للسلطة ولن يتأتى للمتصارعين الوصول إلا بتلطيخ أيديهم بدماء البسطاء وفتح أبواب جهنم على الأجيال القادمة بالاقتتال العقدي تحت عباءة النص والعقل والمروي والمنقول.
كم نحن بحاجة لفكر مستنير يتخذ من التسامح مبدأ ومن التاريخ عبرة لأن المبدأ الإسلامي سيكون الغالب مهما تلفع به البعض أو حاد عنه البعض فلسنا بحاجة اليوم لحرق الكتب لأن وسائل الاتصال صعبت كثيرا من الاجتثاث الفكري أيا كان وعرقلة كثيرا من الكتب والتكتيم والقمع فلا شيء غير التسامح ولسنا بحاجة في هذه المرحلة للاقتتال الطائفي بوصفه لن ينحصر في مكان أو دولة بل إنه سيتسع وسيمتد كالحريق في الهشيم على المساحة العربية كلها.
وكم نحن بحاجة للرجوع للتاريخ للعظة والدرس وكم نحن رافضون لعودة الوطن إلى مساحة وميدان للاقتتال وأظنهم أي اليمنيون شبوا عن طوق الارتماء لمعسكر الغساسنة أو لمعسكر المناذرة المتمزقين لأنهم خلقوا ذي قار قديمة وسيصنعون ذي قار جديدة تؤكد وحدتهم وغيرتهم على وطنهم.
وكم نحن بحاجة للعودة للتسامح والتعايش الذي استمر أكثر من ألف وما يزال مستمرا لأن من يريد الانقلاب عليه إنما ينقلب على التاريخ وعلى خصوصية اليمنيين المتعايشين وسيثبت اليمنيون أنهم يمتلكون كثيرا من الذاكرة وكثيرا من التاريخ.