هيا نهرب
أحمد غراب
ونحن صغار كنا نلعب ونقول “هيا نهرب” كبرنا وكبرت معانا لعبة “الهروب” حتى أصبحت ثقافة شعب وسياسة دولة.
تمضي حياتنا ونحن ـ اليمنيون ـ في حالة هروب دائم.
يهرب الشعب من خندق فيقع في نفق يهرب من مطرقة الفساد فيلصق في سندان العجز .
الكبار يهربون من الثورة إلى المحاصصة ومن العجز الحكومي إلى الحوار ومن الالتزامات إلى افتعال الأزمات ومن عجز الإيرادات إلى طباعة الفلوس ومن الانفصال إلى الفدرلة والاقلمة ومن الرأي العام إلى اشغال الرأي العام.
يهربون من الشعب إلى السلطة ومن الرعية إلى المشيخة ومن المسؤولية إلى النفوذ ومنهم من يهرب من المساءلة إلى العنف والمؤامرات وأقسى أنواع الهروب هو الحروب.
في أيام علي ولد زايد كنا نهرب من الجوع إلى سحول ابن ناجي ومدرجات البن ومن العطش إلى سد مارب أما اليوم فنهرب إلى مؤتمر المانحين وإلى الوايت والى القمح الاسترالي أو الدقيق الأميركي.
الشباب يهربون من مواجهة الواقع الذي تتحطم على صخرته أحلامهم إلى أي عالم افتراضي ديوان قات أو فسبكة أو دردشة أو قصص حب فاشلة .
الآباء يهربون من دائن إلى آخر يتسلف من مكان ويهرب إلى مكان آخر يتسلف منه أيضا ويظل هارب حتى يفرجها الله.
وآخر يهرب من المسؤولية إلى القات والسيجارة.
وغيره يهرب من المشاكل إلى الطلاق أو الانفصام..
وآخر يهرب من عجزه وضعفه إلى غضبه ورفع صوته وممارسة العنف ولو بضرب رأسه على جدار.
وهناك من قطع تذكرة هروب جوية في خطوط جنان يخارجك ولاعقل يحنبك وقرر يؤلف مغاريف بدلا من أن يجمع طموحات وما يقدر يحققها .
ياهارب من الموت يا ملاقي له ويا هارب من سوء التغذية يا ملاقي سم القات وياهارب من التلوث يا ملاقي حوادث الطرق ويا هارب من نار الحروب يا ملاقي شبح الفلتان الأمني.
غربتنا هربة من الفقر والمغترب هارب من رمضاء بلده إلى نار الغربة.
حياتنا إما هروب أو تهريب يحس الواحد انه نزل من بطن أمه ” تهريب” بلا تأشيرة ولا إقامة ليعيش في بلده “غريب” معظم أوقاته هارب.
حتى لحظات الفرح أصبحت هاربة نسرقها سرقة.
هيا بنا نهرب.
اذكروا الله وعطروا قلوبكم بالصلاة على النبي
اللهم ارحم أبي واسكنه فسيح جناتك وجميع أموات المسلمين