مقاربة في مجموعة قصصية لم تنشر بعد
محمد الغربي عمران
هل النص الأول أو الصفحة الأولى, أو بالأحرى هل نستطيع أن نقدر جودة العمل الإبداعي من أول فقرة الأولى من أي ¿ أن نستنبط مستوى بقية النصوص أو ما تبقى من العمل من صفحات محدودة¿ قد يتبادر إلى ذهن القارئ أنني هنا من دعاة التسلط على النص كما لو كنا في محكمة بعيدا عن تلمس جماليات النص. وأقول لقد كثرت وتعددت وسائط النشر ومنابره وهذا من الروعة بمكان, وهذا ما أتاح الفرصة لكل من يتنفس أن يتنفس بحرية ودون موانع. ونحن مع ذلك. لكننا نواجه نسبة عالية من تلك الكتابات وقد كتبها كاتبها دون فهم أو وعي مما يكتبون خاصة تلك التي تطالعنا على صفحات الفيس بوك, فتجد مقالة وقد صنفها كاتبها بالقصة القصيرة, أو دفق وجداني قدمها كاتبها كقصة قصيرة جدا, أو كلمات لا تخرج منها بأي معنى أو إحساس وقد صنفها شعرا.
قد أكون مخطئ لكني أجد النص الأروع هو ما يدهش القارئ وما يأخذ بلبه, ما يجعله يقف متأملا وقد أوحى له بالكثير.
مجموعة قصصية لأسماء المصري لم تطبع بعد قرأتها للمرة الثانية, مشوقة من أول نص. وهو النص الذي قدمته (همسة) وهذا ما قصدته في أول كلماتي هذه.حيث أن (همسة) لم يتجاوز السطرين , لكن ذلك النص قدم قدرة الكاتبة , ولذلك راهنت نفسي على أني قادم على نصوص متفردة.
يقول النص”أيتها الشمس, إني وإياك في أمر عجيب..إن ابتعدت عنك شعرة..تجمدت. وإن اقتربت منك شعرة.. احترقت. أتعلمين..¿ بي رغبة في الاحتراق” التهمت بقية النصوص الذي قارب بعضها الألف كلمة, قدمت الكاتبة من خلالها أفكارا ومواضيعها جديدة مبتعدة كليا عن الذاتية , تلك التي تسيطر علينا ككتاب في بداياتنا. بل ويظل البعض حبيسها في جل أعماله. وكذلك ابتعدت عن نقل الواقع بحذافيره, ونحن كثيرا ما نصادف كتابا ينقلون وقائع عاشوها أو سمعوها ولا يستخدمون خيالهم أو أنهم دون خيال.
مجموعة المصري تدفع القارئ إلى التأمل من ناحية الموضوعية, وأنا دوما أشكك حول أي كتابة يكتبها بعض الذكور لأعمال نسوية ليس لشيء بل لأننا كثيرا ما نجعل من كتاباتهن وسيلة لنسج تعارف وتقرب, وهكذا لا نقدم على كلام خادع واحتفائي زائف. وبذلك تعيش الكاتبة في وهم دائم , ولو تأملنا حولنا لوجدنا نماذج من الكاتبات يستمرئين الوهم وهن به سعيدات. وفي مقاربتي هذه أكتب حول ما بين يدي بعد شعوري بمسؤولية تجاه ما قرأت. نصوصا ناضجة موضوعيا, وهذا ما أحببت التركيز عليه, ولن أتناول جوانب كثيرة منها الجوانب الفنية التي تستحق تسليط الضوء عليها من النقاد.
ونبدأ من نص (الطاولة) لحظة قراءة النص دفعني لأن أبتسم, بل وتكرر ذلك حتى رأيت نفسي بطل النص, وأنا على ثقة أن كل قارئ سيشعر بذلك لما نمتاز به من ثقافة التسلط .
خمستهم يعقدون أول اجتماعاتهم ليتحدث الرئيس-رئيس الفريق- طوال الاجتماع دون أن يترك مجالا ليتحدث بقية المشاركين, وفي الاجتماع اللاحق تغيب البعض ليفتتح الرئيس الاجتماع ويتكلم حتى النهاية, وهكذا ظلوا يتناقصون حتى اللقاء الأخير ليجد نفسه المتحدث الوحيد. ولا من يسمعه.
وأنا صادق فيما أقول بأني شعرت بأن الكاتبة في هذا النص تقصدني أنا! ولذلك ضحكت ساخرا من نفسي وأنا أستحضر تلك اللقاءات التي أكون مديرا لجلساتها .. رأيت نفسي ثرثارا ومتعجرفا كبيرا, صحيح كم أنا ثرثارا, ثم استحضرت مشاهداتي للقاء رئيس الجمهورية.. الوزراء.. رؤساء ورئيسات المنظمات الأهلية .. حتى الأم والأب بداخل بيوتهم, ماذا سنجد ¿ الجميع يحب أن يتحدث ويتحدث ولا يشعر بأن ذلك مخجل.كلنا كائنات غريبة هذا ما يشير إليه النص نظهر عكس ما نحمله.
فكرة النص رائعة إذ أها يوضح لنا كم نحن غير ديمقراطيين.. وأن كل منا ديكتاتور ومتسلط صغير مهما حاولنا أن نظهر عكس ذلك.
نص فاضح يظهر لنا أحد أسباب تخلف شعوبنا . وأن مجتمع كل فرد فيه يحمل أنانية مفرطة وادعاء كاذبا بالمثالية. وأسأل نفسي وأسأل القارئ لم نتعجب على حالنا وحاضرنا , بل علينا أن نتخيل مستقبلنا وكيف سيكون ونحن هكذا¿ كل فرد هو الفاهم وهو العالم وهو الوطني وهو الشريف وغيره خونه ولصوص, وهو وغيره قاصرون. أليس هذا قمة الفساد والتخلف¿ هذا ما يلوح به النص ويفصح وتقول لنا الكاتبة بأنه تاج على رؤوسنا هو الغرور وتسلطه والإدعاء .
نص ثان من المجموعة بعنوان (ضفدع الأمنيات) أيضا تبتعد الكاتبة في النص عن الذاتية وكذلك عن نقل الواقع. بل إن النص حكاية ضد الحلم,فها هي الشخصية المحورية نملة تحلم بأن تكون فراشة تطير. ومن خلال موضوع النص تقدم لنا المصري جانب آخر من الحقيقة حين يتحقق حلم تلك النملة وقد حلقت في الفضاء بأجنحة فراشة. لكن مجتمع السماء(الفراش) يرفضها ويحقرها.
ومن ناحية أخرى يرفضها مجتمع الأرض النمل. نص خيالي ساحر.
ونص ثالث بعنوان (رؤيا) فكرته قريبة من نص (الطاولة) حيث يدور الموضوع حول التغيير والثورة .. إذ أن جميعنا يتحدث وينتقد, ويرفض أوضاع الخطأ , ومن منا لم يستمع