صوت العقل

أحمد الشرعبي

 - مشكلة اليمن لا تكمن في الإزاحات المرحلية التي يمارسها طرف ضد آخر بحسب ما تسفر عنه كل جولة من جولات الصراع ولكنها تتمثل أكثر مايكون في عملية الإخلآء والإحلال بين هذه القوى

مشكلة اليمن لا تكمن في الإزاحات المرحلية التي يمارسها طرف ضد آخر بحسب ما تسفر عنه كل جولة من جولات الصراع ولكنها تتمثل أكثر مايكون في عملية الإخلآء والإحلال بين هذه القوى مجتمعة من جهة وافرازات الواقع الاجتماعي من الأخرى كما هو الحال في انتقالات بعض التكتلات السياسية من وضع وتوجه ما إلى نقيضهما بطرق دراماتيكية فيها من الخفة وملكات التقلب غير المهذب ما يعكس حجم الاضطراب القيمي الذي تقضي البلاد تحت وطأته ظروفا هي الأسواء في تاريخها الوسيط والمعاصر .
خلال الفترة 2006-2009 كنت وآخرين نذرع المحافظات الجنوبية طولا وعرضا في لقاءات نخبوية وشعبية لا تتوقف بغية الوصول إلى قناعات مشتركة تحدد ماهية الخصائص الفارقة بين من نطلق عليه أو هو ينعت نفسه بالوحدوي ومن يدعى انفصاليا أو يخلع على مواقفه نعت الانفصالية .
بيد أن حقب الاضطراب تأتي على الابصار فتعميها وعلى القلوب فتحكم اقفالها وعلى السياسة فتملأها بالخيالات المريضة وطفح التهيؤات المعتلة ليصبح الزبد المركوم حقيقة وما ينفع الناس موضع استهانة واستخفاف . إذ كيف يكون المدافع عن حقه العادل في الشراكة والثروة والثائر ضد سياسات الاقصاء والفيد انفصاليا بينما يتقلد شرف التعبير عن الوحدة أكثر القوى تورطا في الاجهاز على مشروع الدولة والنيل من الحقوق والحريات والاسائة لقيم المساواة والعدالة وسيادة القانون.
اليوم ومارثونات الحوار الوطني على وشك الختام !! هل تدلنا مخرجاته لبدايات مختلفة من ملهاة الإخلاء والإحلال السابقتين ام نشهد معها لونا اشتقاقيا يحيل المكارثية السياسية عن نطاق الصراع الحزبي الى مستوى التأصيل الجغرافي والمؤسسي والدستوري..¿
شأن الوحدة اليمنية لا يختلف شيئا عن مجمل القيم الحياتية والدينية والإنسانية التي ترقى إلى مصاف القداسة المجردة اما الالتزام لتمثلاتها المادية في ممارسات النظام الحامل مضامينها فإنه يتحدد وفقا لمصالح المجتمع ولطالما افسدت نظم الحكم العربية بممارساتها السيئة قيما سامية وجعلت منها منابر تطرف ومعابر استبداد ومصوغات افساد .
فهل يكون الغد كالبارحة ويغض الطرف عن جذر المعضلة اليمنية لنلقى تبعاتها على الوحدة بدلا عن التخلف وفساد الحامل السياسي لقيم الدولة الوحدوية ونمط الوصفات العفوية التي اقترنت بإعادة تحقيقها..
وهل بلغ مستوى اضطراب القيم وفساد المفاهيم حد الاضرار بفطرة الانسان وذائقته العفوية لمعرفة الخيط الأبيض من الاسود وتمييز الغث من السمين والعذب الصائغ من الملح الأجاج¿ اليس هذا الاضطراب هو الحالة المرئية من مواقف القوى السياسية تجاه القضية الجنوبية !!
ولأن التسوية السياسية قيدت مظالم المجتمع ضد المجهول ولم يعد امام المخاتلات الحزبية من عمل غير خلط الاوراق وتكريس ظاهرة الاخلاء والاحلال حيث يتنازل احد الفرقآء عن تاريخه النضالي لصالح نقيضه بينما يذهب أحد مكونات الحوار للتوقيع على الوثيقة من باب التقية ثم يعهد لأطره الداخلية بالتحريض عليها وهنا تصبح الوحدة نشيجا واهنا تطلقه الاغلبية الصامتة في لحظة وجوم وانكسار!!
المعضلة ليست وجود تيار شعبي يرفع شعار الانفصال ولكن في المواقف الانتهازية التي تتبنى الدفاع عن الوحدة انطلاقا من رصيدها البائس وممارساتها العبثية في حق المحافظات الجنوبية والشمالية على حد سواء.
حسب الضحايا ألما إفلات الجاني من العدالة أما وهم يرغمون على القبول به مترافعا عنهم فتلك أم الدواهي !!
في 11 سبتمبر العام الماضي والجدل البيزنطي في أوجه ومشارط التقسيم اكثر العملات تداولا تناهي صوت عاقل من محافظات الشمال ينادي بتجاوز صيغ المناصفة الشطرية واتاحة الفرصة امام الجنوب لاعادة بناء دولة الوحدة وتصحيح مسارها لكن مارثونات الصراع لا تصغي لصوت الحكمة ولا يعوزها عقل كالذي وسم دعوة بعض الضحايا من أبناء المحافظات الشمالية وهم يقولون (نحن لم نجرب الوحدة فكيف نحكم لها أو عليها¿ وما حدث في 90 حتى 2011م هو الاعتداء على الوحدة والسطو على حلم اليمنيين بوعدها الحضاري قبل تحويلها إلى مشروع للاستحواذ ومنجم للضغائن والأحقاد.. وخلال العقدين الماضيين غدا ذاك الحلم المتوهج ستارا تتوارى خلف واجهته عقلية انفصالية شوهت مفاهيم الناس وغيرت موازين وتوجهات قوى المجتمع اليمني وجعلت الوحدوي انفصاليا والانفصالي وحدويا .. نحن الشمال المثقل بأغبان التاريخ حاكما ومحكومين مستبدا أم ضحايا.. نتحمل المسئولية الكاملة عن تقديم نموذج غير جدير بثقة الشعب ولا مؤهل لقيادة الوطن وإدارة الدولة. وانطلاقا من ذلك ورغبة صادقة في الاحتماء المبكر

قد يعجبك ايضا