هل أتاك حديث الترجمة…¿

■ محمد عبد الواحد الكميم


الترجمة متهمة منذ زمن بعيد بعدم الدقة والأمانة في نقل النصö المترجم عنه أو تأديته على وجúهه الحق إذ تواجه الترجمة دائما صعوبات مختلفة. 
فالمترجöم محتاج إلى إتقان اللغتين معا إحسانا متساويا يجعله قادرا على فهم أسرار كل منهما فهما عميقا.
وهو محتاج كذلك إلى فهم العلم الذي ينقله وإدراك مصطلحاته وأسراره ولغته الخاصة به إذ إن لكل علم ألفاظا وتعبيرات ومصطلحات خاصة به وهي مصطلحات أبعد في معناها مما تدل عليه ظواهر ألفاظها.
ثم إن لكل نص عالمه الخاص وإن الدخول إليه هو دخول في عالم منشئه بكل ما فيه من خفايا وأسرار وما ينطوي عليه من خلفيات فكرية أو نفسية أو ما شاكل ذلك.
وتزداد الصعوبات وتأخذ أبعادا أعمق إذا كانت الترجمة لنص أدبي بل لنص شعري على وجه الخصوص إذ إن لغة الشعر هي لغة عصية على الانقياد غامضة مبهمة عميقة الدلالة غنية بالمعاني ثرة الدلالات حتى إن بعض النقاد يجعل من مزايا لغة الشعر هذا الغموض الذي هو عنده ضرب من العمق والإبحار خلف الظاهر.
إن الشعر- بطبيعته – غامض حتى في لغته الأصلية التي كتب بها وهو لا يعطيك كل شيء إنه يوحي ولا يصرöح يومئ ولا يبوح فكيف إذا يمكن نقله إلى لغة أخرى¿!
ماذا يفعل الناقل أو المترجم بنظمه الخاص وبما فيه من إيجاز وتكثيف وحذف وذöكر وتقديم وتأخير¿ وكيف نتعامل مع لغة المجاز التي هي علامة فارقة فيه حتى كاد الشعر ألا يسمى شعرا إلا بها¿
ماذا يفعل الناقل أو المترجم بما ينطوي عليه النص الشعري من دلالات غير ظاهرة ومعان خفية وبأسرار كثيرة مسكوت عنها لا تبوح بها السطور بل يبوح باليسير منها ما خلف السطور¿
هل في اللغة الأخرى المنقول إليها النص الشعري ما يقابل هذه الصور والألفاظ والعبارات والأسرار التي تنطوي عليها لغة النص المنقول عنه¿
ثم بعد أين الوزن بصوره وأشكاله المختلفة وما ينطوي عليه هو في حدö ذاته من دلالات وأحوال ومعان¿ وأين موقع القافية – التي مهما تعددتú صورها في الشعر – ذات حضور وذات دلالة عميقة¿
إن الترجمة ليست أمرا سهلا على الإطلاق وهي – في ترجمة الشعر بصورة خاصة – أشق وأعقد. 
لقد كان علماؤنا القدماء شديدي الفطنة إلى مزالق الترجمة وخطورتها ولا سيما ترجمة الشعر ولا أشهر في هذا المقام من مقولة الجاحظ[1]:
«الشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل ومتى حوöل تقطع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه وسقط موضع التعجب لا كالكلام المنثور والكلام المنثور المبتدأ على ذلك أحسن وأوقع من المنثور الذي تحول من موزون الشعر… وقد نقلت كتب الهند وترجمت حöكم اليونان وحوöلت آداب الفرس فبعضها ازداد حسنا وبعضها ما انتقص شيئا ولو حوöلت حكمة العرب لبطل ذلك المعجز الذي هو الوزن مع أنهم لو حولوها لم يجدوا في معانيها شيئا لم تذكره العجم في كتبهم…».
ثم يقول الجاحظ: «إن الترجمان لا يؤدöي أبدا ما قاله الحكيم على خصائص معانيه وحقائق مذاهبه ودقائق اختصاراته وخفيات حدوده ولا يقدر أن يوفيها حقوقها ويؤدي الأمانة فيها وكيف يقدر على أدائها وتسليم معانيها والإخبار عنها على حقöها وصدقها إلا أن يكون في العلم بمعانيها واستعمال تصاريف ألفاظها وتأويلات مخارجها – مثل مؤلف الكتاب وواضعه¿». 
وإذا كان الجاحظ – رحمه الله – يتحدث عن صعوبة الترجمة وما يقع فيه المترجم من المزالق والتصحيف والتحريف حتى ليستحيل عليه أن يؤدي حقوق المعاني التي ينقلها فإن بعض المعاصرين يعد الترجمة – بسبب من هذا – نوعا من الخيانة: خيانة النص ويعد المترجم خائنا وهي خيانة معنوية بمعنى أنه لا بد أن يدخل الضيم على النص المترجم مهما اجتهد ألا يقع في الزلل وأن يتحرى الصواب وأن يجتهد في الدقة وأن يتقن اللغتين اللتين يتعامل معهما ولا نتحدث هنا عن خيانة مادية متعمدة يقع فيها أصحاب الأهواء.
ترجمة الشعر الحديث:
وإن المرء ليأخذه اليوم عجب ما مثله عجب وهو يسمع عن ترجمة نصوص لشعراء عرب من المعاصرين أو الحداثيين ممن يتفاخرون بغموض شعرهم وانغلاقه في وجه القارئ وهو قارئ عربي لغته لغتهم ولسانه لسانهم يسمع عن ترجمة أشعار هؤلاء إلى لغات أجنبية من الذي ترجم هذه الأشعار التي لم تفهم في لغتها أصلا¿! بل قال عنها أحدهم[2]:
لن تفهموني دون معجزة
لأن لغاتكم مفهومة
إن الوضوح جريمة 
كيف ترجم المترجم هذا الذي فهمه معجزة كما يقول صاحبه نفسه¿!
وماذا ترجم منها¿ وكيف فهمها حتى يترجمها¿! وعلى أي حال – كما يقول الجاحظ – أداها¿ 
إذا كانت هذه الأشعار الحداثية – على وجه الخص

قد يعجبك ايضا