وطن في فندق
سلوى الإرياني

أتيت من قريتي أقود شاحنتي الصغيرة توقفت أمام أول فندق في أطراف صنعاء.كنت جائعا منهكا أكاد أرتمي أرضا جوعا برداو نعاسا. سأنام بدون عشاء وغدا صباحا أصحو مبكرا لأجوب محلات البقالة في صنعاء ومحلات بيع الخضروات فيها لكي أبيع الشحنة الكبيرة من الطماطم التي أتيت بها من قريتي الصغيرة الغافية فوق كتف الجبل المثقل بالعطش والتشقق والصفرة. ثم بعد البيع أتناول وجبة غداء ممتازة وأعود إلى قريتي الحبيبة. سأشتري لابني سيارة تتحرك بالتكنولوجيا من بعيد ولزوجتي حقيبة يد مزينة بخرز تفرح بها. أخيرا سأشتري الأرز والزيت والسكر وهو ما نفتقر إليه في القرية.
دخلت الفندق والدنيا ظلام أخبروني أن الكهرباء مطفأة لأنهم يضربونها في مارب. لا بأس لست أعيي لأنني لست سياسيا ولا مثقفا لماذا هم يضربونها لكن لا ضير أنا معتاد على الظلام.دخلت على ضوء من ولاعة سجائري. كان فوق جدران الفندق فوانيس ومصابيح مستطيلة تشحن وقت وجود الكهرباء. دفعت قيمة مبيت ليلة محذرا موظف الاستقبال أن شاحنتي الصغيرة وحمولة الطماطم التي جئت بها أمام مدخل الفندق وأن الحراس في الباب مسؤولون عن حراستها. صعدت لأرتمي على السرير. لم أستطع التعمق في النوم حيث كانت تصلني أصوات جيراني في الغرفة شخصان يتحدثان عن تفجير سيقومان به في مكان شعبي. طار النوم من عيني جلست على السرير فرأيت فأرا صغيرا تلاحقه قطة ثم ألتهمته. قمت أفتح الباب وأخرجت القطة متقززا من المشهد.بداية غير مشجعة! ثم ارتميت على السرير فغلبني النوم ولم أذكر شيئا عن جيراني الذين كانا قد تكلما وما عادوا يتناقشون عن التفجير. في الصباح صحوت باكرا لأنني كنت أتضور جوعا وأدركت أنني محال أقوى على الصبر حتى الغداء فخرجت لأذهب بشاحنتي لشراء فول وزلابيا. فوجئت أن شاحنتي لم تكن بالباب. فركت عيني ولكن أيضا لم أجد لها أثرا. خمنت أن تعبي وإعيائي بالأمس قد أنساني أين تركتها فذرعت الشارع ذهابا وإيابا وأنا أعدو بانفعال حتى قطع الصندل وخرجت قدمي منه فواصلت البحث بقدم داخل الصندل والأخرى حافية. دخلت أسأل موظف الاستقبال الذي كان يغط في نوم عميق على مكتبه :-” ييييييه أين الشاحنة والطماطم¿!” هززت كتفه فقام مذعورا صاح في وجهي بصوت أعلى من صوتي.:_” ما دخلي¿! كيف توقظني بهذا الشكل¿ نحن فندق نقدم للزبون غرفة. لسنا مسؤولين عن حراسة الشارع. الشارع في الليل يمسي شارعا ويبات غابة! ما دخل الفندق بمتعلقاتك¿” كررت كلمته العربية الفصحى بغضب هستيري:- “أي متعلقات¿! هل تحسبني أضعت ميدالية مفاتيح يا بني آدم. أنا أسألك عن شاحنة صغيرة محملة بطماطم! ثم أين الحراس الذين شاهدتهم بالأمس¿” أجابني ببرود جعلني أرتعد كأنني أقف فوق قمة الجبل في قريتي في فصل الشتاء :-” يذهبون للنوم في بيوتهم هل تريدهم أن يظلون في الشارع ليلا¿ أنت قروي لا تعرف.” انهرت قاعدا على الأرض وقدمي حافية والأخرى داخل الصندل وتمتمت :- “أريد مقابلة المدير.” أشار الموظف بأصبعه لغرفة المدير وهو يتثاءب مضيفا:-” لكنه لم يصل بعد.” انتظرت حتى حضر المدير فدخلت إليه ولم أتذكر أنني بصندل واحد إلا حين رمقني بابتسامة أخفاها خلف أصبعه الذي مسح به أسفل أنفه. حكيت له ما جرى فلم يتمالك نفسه من الضحك. قال لي بكل برود جعلني أرتعد قشعريرة وبردا من جليد دماء سكان صنعاء :- ” أضعت شاحنتك والطماطم أريد أن أفهم لماذا تريد إقحام الفندق¿” أجبته بصوت غاضب وكسير:-” من أقحم إذن¿ الوالد في القرية أم من¿” صمت الرجل متفكرا ثم سمعته يحوقل. أضفت أنا قائلا:-” أنا من قرية كلها شرفاء لا يسرقون السنبلة الملقية في الأرض ما كنت أعلم أن سكان صنعاء أصبحوا هكذا لصوصا وإلا لكنت بت ليلتي داخل الشاحنة أما الآن وقد حدث ما كنت أخشاه بماذا تشور علي وجهني أرشدني أنا غريب لا أعرف بني آدم واحد هنا.” أجاب الرجل متعاطفا:-” حسنا استشعارا من الفندق بمصابك الجلل سنستضيفك لمدة ثلاثة أيام لكي تستطيع الإبلاغ عن الحادثة هناك احتمال ضعيف أن تفيدك الشرطة.” خرجت من عند المدير لأتصل بأبي لأبلغه بالمصيبة التي سقطت فوق رأسي فقال لي أن أبقى حتى إيجاد السيارة وبيع المحصول وإلا فإن الحادثة ستخدش رجولتي ونظرة المشايخ إلى إلى جانب أن عمي قد يأتي لاسترجاع زوجتي من بيتي هي وأولادي. أستلقيت تلك الليلة وأنا أئن لأسمع ذات النقاش بين جيراني .شخصان يتكلمان عن تفجير فلم أتمالك نفسي من الذهاب إلى غرفتهما وطرقت الباب حالفا يمين طلاق أن أثنيهما عن مخططهما المجنون! كانوا قد تكلموا تلك الليلة بإسهاب عن عبوات ناسفة وحزام ناسف وأموال سيستلمانها وكيفية رفع المبلغ الذي سيدفع لهما. فتحا الباب فأشرت بأصبعي الأوسط إلى عقلي صارخا في وجهيهما المذهولين:-” عاد شي به عقل¿ ” بدت على وجوههم ملامح الفزع وتمتما :-” كنت تتصنت علينا ¿” قلت مدافعا عن نفسي الأبية :-” ليس من شيم الرجا