حرب أكتوبر والملك فيصل
دكتور ياسين عبدالعليم القباطي
دكتور ياسين عبدالعليم القباطي –
قصة واقعية لمصاب بمرض الجذام تغلب على المرض وأنتصر عليه وما زال يعمل في برنامج مكافحة الجذام هو الحاج أحمد عزيز أبو حسن من بيت أبوحسن عزلة الكينعية آنس
(الحلقة 45)
حرب أكتوبر والملك فيصل
أنقضت سنة ونصف السنة غمرتني فيها السعادة شملني حب زوجتي ضمني معها بيتنا الجديد تركت بؤس الجذام عزلته خارج باب بيتنا السعيد واستمرت أيامنا وليالينا سرورا وبهجة نحلم بالطفل القادم من بين أحشاء تقوى ليزيدنا سعادة ومتعة تكبر معه أسرتنا وتضمحل عزلتنا حتى تتلاشى وكانت ليلة الأحد أول يوم من شهر يوليو سنة 1973م أشتدت فيها العواصف برق ورعد ومطر لم نعد نرى جبل صبر غطته أمزان أمطار منهمر من السماء كالشلال وكأن المطر يبشرنا بالخير القادم مع إبننا تقوى وحيدة في غرفة نومنا تكتم صرخات المخاض بوضع خرقة في فمها تعض عليها كلما أتاها الطلق فلا يسمع أحد صراخها ولا تسمح لأحد مشاهدتها وكلما دخلت عليها تؤشر بيدها أتركني رفضت كل محاولاتي لنقلها إلى المستشفى أو دعوة النساء لمساعدتها كانت عزيمتها قوية وإرادتها حديدية منعها الحياء أن تدع أحدا يشاهدها أثناء الولادة وصممت أن تتحمل مشاقها دون مساعدة من أحد. أعود لمراقبة مطر مازال ينهمر غزيرا وأشجار الكافور تترنح يمينا وشمالا تقاوم العاصفة يغسل عنها المطر غبار الأتربة القادمة من صحراء الربع الخالي وخليجنا العربي الذي لا يمدنا إلا بالغبار.
إبننا القادم من بين أحشاء تقوى لم يرفع بعد صرخة قدومه إلى الحياة تمتد آلام المخاض حتى أذان العشاء, بيدي مصحف أقرأ منه وأدعي الله أن يخفف آلام زوجتي الحبيبة ويبعد عنها خطر الولادة البرق يفجر السماء يفلق السحب ويحيل ظلام الليل إلى نهارخاطف وتنطلق من غرفة نومنا صرخاة الطفل ترتفع في السماء تغطي على صرخات تقوى المكتومة إنه ولد القادم الجديد إلى أسرتنا يطلق صرخته ولد سيضيف لبيتنا فرحة أخرى سيبدد وحدتنا سيكبر عائلتنا التي أبتلت بعزلة الجذام بعيدا عن قرية أبوحسن في آنس حمدت الله حمدا كثيرا على سلامة تقوى الشجاعة القوية المدبرة الحكيمة التي حضرت كل شيء لهذه اللحظة مقص نظيف معقم قطعت به الحبل السري ربطته بنفسها قمطت الطفل بثيابه البيضاء التي حضرتها وفصلتها بيدها حضرت لها الماء الساخنغسلت نفسها وحضنت طفلها الوليد ولدت تقوى في بيتنا الذي بنيناه بأيدينا على ضوء لمبة جاز ولدت تقوى دون عون من أحد كعادتها قوية شجاعة تمد يد العون لمن يريد ولا تطلبه من أحد أنتهت آلام تقوى فسمحت لي بالجلوس معها بعد أن نظفت نفسها وطفلها ولبست ملابسها حضنت الطفل وقلت لها “سيكون لولدي هذا شأن عظيم مارأيك أن نسميه عبدالرحمن” يا أحمد إلا ترى هذا الفساد في كل شيء ومع هذا ستسميه تيمنا بالرئيس” ردت تقوى ” هذه انتكاسة ثورة بسبب تدخل الجيران ولا ذنب لرئيسنا المدني” رديت ” كما تريد يا أحمد كما تريد أنا لا أعصي لك أمرا ولا أرفض لك طلبا” وهكذا سميناه عبدالرحمن تيمنا بالقاضي عبدالرحمن الإرياني.
تقوى إلى جانب خدمتي والعناية بي تعتني بالطفل ترضعه حسب الجدول الذي قررته لها الطبيبة في جمعية رعاية الأطفال السويدية حيث تعودت تقوى أن تأخذ الطفل للكشف الطبي وتلقيحه ضد الأمراض المعدية حسب الجدول المحدد للتلقيح لا أعرف كيف عرف أحد الأطباء السويديين أنني وزوجتي مصابان بالجذام. العلم لم يكتشف بعد أسرار إنتقال الجذام في ذلك الوقت كان الطبيب يعتقد أن الجذام ينتقل من الأم إلى الطفل عن طريق الرضاعة عبدالرحمن في شهوره الأولى سليما متعاف ووزنه مثال قرر الطبيب أن لا رضاعة للطفل من أم مصابة بالجذام هكذا قرر فقط دون سند علمي يعتمد عليه وحرم إبني من حليب أمه وحرمها من متعة إحتضان الطفل واستمتاعها برضاعاته وإمتثالا لقرار غبي من طبيب لم يستوعب ما سيفقده الطفل والأم توقفت تقوى عن رضاعة الطفل قلب تقوى يحترق ودموعها تنهمر كلما بكى عبدالرحمن في ميعاد الرضعة كانت الدموع تسيل من عينيها بدلا من سيلان اللبن من ثديها ولكن الدموع لا تشبع الرضيع ولا توقف مشاعر الأم الجياشة والبكاء لا يعوض الحنان ولا يملي حضن الأم لا يستطيع عبدالرحمن الوصول لثدي أمه فطبيب سويدي أمرها بحرمانها منه خوفا عليه من العدوى لم يفكر الطبيب بأن عبدالرحمن قد رضع ثلاثة أشهر وأنه لوكانت هناك عدوى فقد أنتهى الأمر وحصل ذلك لم يفكر الطبيب بأن تقوى قد أخذت علاجا كافيا للجذام ولم تعد جراثيمه نشطة لم يعمل أي حساب لصحة الطفل ولحنان الأم أتخذ الطبيب قرارا آليا دون تحكيم العقل كان نتيجة قراره أن تدهورت صحة عبدالرحمن وأشرف على الهلاك رفض عبدالرحمن أن يرضع من أي لبن آخر