رمزية الاستدعاء ودرامية التوظيف
احمد علي جابر •

ويغدو الشرفي سندبادا آخر في القصيدة ,فهو يبحر في جراح الأمة ,ويرحل في أحزانها والقصيدة إذ تقترب من أسطرة الواقع وتبتعد عن الشكل الأسطوري بثيماته وأحداثه الأسطورية فإنها تبقى في إطار التجربة الدرامية وبمعية التشكيل الرمزي الذي يغلب على شعريتها وبنائها و يتأكد هذا النهج الدرامي في المقاطع اللاحقة بموضوعية تنسحب على أسلوب القصيدة ولغتها وبكثافة رمزية تنحدر من مرجعيات متنوعة تعكس بعد الرؤيا وشموليتها,من الموقع ذاتهموقع الشاعر الرائي على محور التفاعل والوعي بالآخر.والشاعر متمرس في تغييب العلاقات واستحضارها,فالسندباد وهو مركز الثقل الدلالي للقصيدة يشكل حضوره اللغوي في بعض المقاطع ,ثم يأتي الشاعر على لفظ مرموزه (خليل حاوي) فيتحاور معه ويناجيه كما في المقطع الخامس من القصيدة:
نم يا خليل .. كما تشاء الاغنيات
وتشتهي خضر النوارس
غنيت .. لكن اليتيم وصيه الشيطان
في سوق المزادú
صليت لكن المتارس
لا تصلي للجيادú
الجمرة الخضراء مطفأة
وسيف النصر مكسور ومختنق الهواجس
وصلاة أنجمك الخضيبة
لا تضيء البندقيات العوانس
وقفت أراجيح الصلاة على فم الغفران
وارتحل الصباح مضرجا بدم المساجد والكنائس
ألقت جناحيها إلى هوج الرياح
فكشرت عن ليلها الرؤيا .. وأجفلت العرائس(20)
ويتحول الشاعر عن الأسطورة في رمزها السندباد إلى تشكيل فضاء أسطوري يقوم على عدد من الصور الشعرية لها أن تعوض غياب دال الرمز الأسطوري بقوام لغوي أقرب إلى التمثل الأسطوري وعبر نسق شعري يمارس طقوسه اللغوية بانفتاح على المرجعية الأسطورية والخرافية لرفد بنية القصيدة بطاقة إيحائية تضاف إلى رصيدها الدلالي,في تضافر مع عناصر الرؤية لتخليق مساحات رامزة تشد لغة القصيدة وشعريتها بخيط من الإيحاء والانفعال عبر متواليات الصور,ومع تنامي حركة السرد, وكما في المقطع لآتي:
خرجت من الرمل القماقم
وهي فارغة .. وخاوية الدخان من اللهب
لا المارد العملاق يسكنها
ولا البطل المقاومú
جاء يتشح الغضب
كل العفاريت القبيحة من تراب مالح
أو من خشب
((شارون)) يفتتح الحوانيت الجديدة
للجماجم .. والقماقم .. والمآتم
والجرائم .. واللعب
((شارون)) يفرح بالدمى
ويحب أن تأتي الكراسي والعواصم
وهي في حجم الدمى
ويحب تكسير اللعب
ويحب في بيروت تاريخ العرب
ويجيئه الوطن المحطم
ويجيئه ((بردى)) على نعش ((المقطم))
ويسير في ((بغداد)) محتزما بماء ((الرافدين))..
متوشحا نفط الخليجú
وممتطيا حصان ((القدس)) .. والشعب المقسم(21)
ومرجعية التشكيل الرمزي للمقطع السابق تتحدد بوجهين من أوجه النص ,فالأول متصل بروح الأسطورة الشعبية ومتخيلها الحكائي,ومادة هذا البعد يترسمها الجزء الأعلى من المقطع ومادته اللغوية تمتد حتى السطر السابع,ومن المؤكد أن هذا النسق الشعري يتوسل حمولات حكائية ذات صلة بالأسطورة والمعتقدات الشعبية التي ألفينا الحديث عنها في سياق القص الشعبي الذي احتفت به الذاكرة,وفي بعض التدوينات الحكائية الموروثة كحكاية (ألف ليلة وليلة) التي ارتكز عليها متخيل النص “بوصفها ركيزة ومهادا ونبعا سواء كان هذا في مضامينها ذات الطابع الترميزي أم تشكيلها الفني وأدواتها وتقنياتها المتمثلة بالحدث”(22) الذي انهضت به (حكاية الصياد) ذات الجزئيات المستلهمة في نص الشاعر حيث يرد فيها “يخرج الصياد إلى النهر ويرمي شبكته وبعد محاولات فاشلة يصطاد قمقما يخرج منه ((جني)) يحاول قتل الصياد لأنه قد نذر مع نفسه أن يقتل كل من يخرجه من القمقم…”(23) والنص يتضمن بعضا من جزئيات الحكاية الشعبية خاصة فيما يتعلق بافتعال الخوارق وتجاوز المألوف ,فالقماقم بما تحمله من مرجعيات الأسطورة والحكاية تخرج من الرمل سبيلا للانعتاق والخلاص,وإذا كانت المخيلة الشعبية تفترض وجود عفاريت أو مردة داخل هذه القماقم,فإن البنية الشعرية تنفي تموضع المارد بداخلها,كما أن العفاريت الموصوفة بالقبح وفي إطار التعميم (كل)تعود الى التراب المالح أو الخشب لتجافي التصور المعهود عن هذه المخلوقات باعتبارها مخلوقات من النار,وهذا التضايف الشعري الأسطوري لا يمكن قراءته أوتلقيه إلا عبر منهجية تعي لغة النص وانزياحاته التعبيرية وانفتاحه على مرجعيات غنية فالنص بناء” مفتوح يحاول القارئ إنتاجه في تفاعل وتجاوب لا في استهلاك”(24)والبناء الشعري للمقطع توصيف رمزي يمكن قراءته في سياق تحليل الوضع العربي, فالقماقم إشارة متضمنة لعدد من الدلالات قد تؤشر مدلولاتها على الأنظمة العربية التي انبثقت عن رمزها ( الرمل) ذي الدلالة الرمزية على المكان وال