المياه تستنزف .. وزراعة القات تتوسع
محمد العريقي
محمد العريقي –
> ما من نقاش يجري حول مشكلة المياه في اليمن إلا ويتطرق بالضرورة إلى القات كمؤشر على تهربنا من معالجة هذه القضية بطريقة جادة وحاسمة لأن القات وحده يحصد 30% من الموارد المائية المستهلكة سنويا أو 40% من المياه التي تضخ من الخزانات الجوفية (على اعتبار أن الاستهلاك السنوي يقدر بحوالي ثلاثة ونصف مليار متر مكعب : منها ملياران ونصف تضخ من الخزانات الجوفية ومليار عبارة عن مياه سيول تتدفق إلى السواحل). كما تتوسع زراعته بسرعة كبيرة بالمقارنة بالمحاصيل الأخرى. ففي الفترة بين عامي 1970 و 2000 توسعت المساحة المزروعة بالمحاصيل الأخرى (خصوصا الأعناب والبن) بمعدل 3 % و 5 % سنويا على التوالي بينما توسعت المساحة المزروعة بالقات بمعدل 9 % سنويا.
ولا نجد في مقابل هذا الاستنزاف للمياه الجوفية أي ضوابط أو جهد للحد منه مثلا من خلال رسوم تدفع مقابله ولو من باب التعويض لتكلفة الفرصة البديلة لمصادر مياه أكثر كلفة (كالتحلية) سنضطر للجوء إليها في السنوات القادمة أو لإجبار مزارعي القات لتركيب شبكات ري حديثة موفرة للمياه خصوصا أنهم أصحاب المحصول الأكثر ربحية.
وحذر خبراء في مؤتمر حول القات عقد في صنعاء في شهر مارس من عام 2002م من أن سرعة انتشار زراعة القات في ظل مجانية استخدام المياه في ريه يسهل استحواذ هذا المحصول على معظم مصادر المياه ويزيد من حرج الوضع المائي خصوصا في بعض المناطق والأحواض المائية مثل حوض صنعاء وحوض رداع. ومما يزيد من هذه المخاوف إن طريقة ري القات ليس فيها أي مجهود للاقتصاد في الماء. بل برزت مؤخرا ظاهرة هجوم مزارعي القات على أي مناطق لاتزال تحتوي على مياه وقيامهم باستئجار الأرض من أصحابها وحفر الآبار فيها وزراعتها بالقات وعندما تنضب الأحواض في تلك المناطق ينتقلون إلى مناطق أخرى ذات وفرة مائية حتى يستنزفوها لينتقلوا إلى أماكن جديدة ناهيك عن الممارسة التي أصبحت مألوفة وهي الري عن طريق المياه المنقولة “بالوايتات” من مناطق بعيدة إلى مزارع القات. وهو الأمر الذي تسبب في كثير من النزاعات بين سكان مناطق الآبار وبين سكان المناطق التي تشتري المياه.
ولاشك أن مناقشة دور القات كمستهلك خطير للمياه تكتنفها تعقيدات كثيرة تجعل من الصعب التوصل إلى حلول ناجعة تحافظ على المياه الجوفية في المناطق الحرجة. غير أنه من المهم أن يدرك الجميع (مسئولين ومزارعين) أن استمرار الحال على ما هو عليه بدون أي تدخلات يعني أن زراعة القات ستقضي في نهاية المطاف على المياه في الريف وبالتالي على اقتصاد الريف ما لم تخلق أنشطة اقتصادية بديلة لا تعتمد على المياه بشكل أساسي وبصورة متزامنة لابد من التفكير الجاد بتحرير تجارة القات.
فليس من حل لمواجهة مشكلة المياه في المناطق الجبلية إلا بإعادة النظر بتوزيع المياه على القطاعات المختلفة بطريقة عادلة مع إعطاء الأولوية لمياه الشرب وترشيد الاستخدام في القطاع الزراعي وتقليص حصص ري القات.
إن القات أهم محصول في اليمن وأكثرها استهلاكا للمياه وليس بالإمكان تجاهله وبالتالي يجب على الحكومة أن تدرجه في الإحصائيات وأن تجعله موضوعا للبحث وخدمات الإرشاد وذلك من أجل تقليل استخدامات المياه في ريه وتطويق أماكن زراعته. بمعنى أنه يجب معاملة القات كأي محصول آخر وأن تتواصل الجهود البحثية بشأنه بحيث يصبح مستهدفا ببرامج الإرشاد الزراعي خصوصا من حيث كفاءة استخدام المياه. كما يجب عدم توجيه أي استثمارات عامة لدعم زراعة القات وأن يشترط على المزارعين الذين يحصلون مشاريع دعم من الموازنة العامة (مثل مشاريع السدود والري عموما) لعدم توسعة مساحتهم المزروعة بالقات.
وإذا كان هناك اتجاه جاد نحو تقليل استهلاك القات للمياه فإن الخطوة الأولى تبدأ بنشر أساليب التوعية والإجراءات الصارمة للحد من تعاطيه ولاشك أن مثل هذه الإجراءات ستحتاج إلى دعم وبرنامج عمل على المدى الطويل والقيام بحملة توعية عامة بشأنه. والوضع المثالي هو أن تتكون جمعيات طوعية تأخذ بزمام المبادرة في ما يخص التوعية العامة بأضرار القات ويمكن في هذا الصدد الاستفادة من الأفكار والحملات الناجحة التي شنتها البلدان الأخرى ضد التدخين أو أي ممارسات ضارة أخرى أو من الحملات المحلية أثناء الانتخابات أو التطعيم.
كما يمكن مناقشة الأفكار التي طرحت بشأن فتح التجارة الحرة للقات والاستيراد من الخارج فالأسعار في إثيوبيا أقل بكثير واستيراد القات خصوصا في فصول السنة التي يحتاج أثناءها إلى كميات كبيرة من الماء يمكن أن يؤدي إلى هبوط الأسعار في اليمن وتقليص حو