رواية ( جهينة ) .. الصدق الفني يقود نجاة باحكيم إلى اجتياز الخطوة الروائية الأولى

 أسماء المصري

منذ بداياتها مع الكتابة وجدت نجاة باحكيم نفسها محاطة بعالم القصة الأخاذ الذي وفرته بيئة أدبية خصبة ( نادي القصة / صنعاء ) فمنح على الدوام أعضاءه بل وزواره ومرتاديه أجواء من المعرفة القصصية والاحتكاك والتواصل بين التجارب السردية المتنوعة من خلال أنشطته وتواصل فعالياته .
كما أن شخصية القاص والروائي / محمد الغربي عمران ( رئيس النادي ) رغم اتساعها الفكري ومكانتها الاجتماعية والسياسية فإنها تظل قريبة ممن حولها ومحبوبة لدى العديد ممن عرفوه وتأثروا بشخصيته العامة وحضوره الذي قاد الكثيرين منهم إلى عالم الغربي عمران القصصي والأدبي عن قصد أو دونما قصد .
ليجدوا من خلال دعمه وتشجيعه منبرا للبوح والتعبير والظهور ومحفزا على اكتشاف دواخلهم والبحث عن جوهر القاص والكاتب فيهم حتى ظهرت العديد من الأسماء الأدبية في مجال القصة والرواية والنقد أيضا .. ومنهم الكاتبة المبدعة / نجاة باحكيم .
إنه مع حرصي الشديد على متابعة النتاج القصصي أكثر من غيره من صنوف الأدب غير أني لاحظت في الفترة الأخيرة أن فن الرواية بات يزحف بوتيرة متعالية في الساحة الأدبية اليمنية على حساب القصة القصيرة فبدأ بعض الكتاب من الجنسين التحول سريعا من تجاربهم القصصية القصيرة إلى كتابة الرواية مما ينبئ بعودة قوية لهذا الفن الذي بزغ تاريخه المعاصر لن نقول محليا بل عربيا إلى العقود الأولى من القرن الماضي .
ومن خلال بعض المناسبات التي جمعتني بالكاتبة باحكيم والاطلاع على بداياتها استشفيت في تلك الفترة من قراءتها لبعض إبداعها القصصي أنها تملك نفسا طويلا في السرد واسترسالا في التعبير لما تود طرحه من أفكار وتبثه من عاطفة حتى يصل بها الإسهاب إلى إنتاج نصوص طويلة من المنظور الفني والتقني .
ويبدو أن الفترة من العام 2007م وحتى 2009م كانت فترة تطور وتحول في مشوار باحكيم القصصي إذ يبدو أنها كانت تسعى على الدوام إلى التعرف أكثر على فن القصة القصيرة وكيفية بنائها وأساليب كتابتها ومدارسها … إلخ مستفيدة من تجارب زملائها ونصائح أساتذتها من رواد هذا الفن وقراءة المزيد من نتاجاته حتى قدمت الكاتبة باكورة جهدها الدؤوب وخلاصة همها الاجتماعي واليومي ومحاولاتها الفنية في مجموعة قصصية بعنوان ( ذات ليلة ) الصادرة في العام 2009م عن مركز عبادي للدراسات والنشر ونادي القصة اليمنية لتكون مفاجأة لي ولعدد ممن تابعوا بداياتها الطويلة بأن استطاعت باحكيم من خلالها أن تقدم نفسها ككاتبة واعية بفن القصة القصيرة مدركة لما تود طرحه أسلوبا وبناء ومن حيث القضايا التي تريد طرقها.
وظهرت المجموعة غنية من حيث عدد النصوص والقصص ملتزمة بقالب معتدل من حيث الحجم فيما الأفكار متداخلة متنوعة من حيث وحدة الموضوع وتظل بداية جيدة وجادة للكاتبة أنبأتنا في ذلك الحين بأن باحكيم ستواصل الغوص في عالم القصة القصيرة والعودة إلينا في إصدارها القادم بلآلئ قصيرة أكثر تنوعا وأشد بريقا لكن الكاتبة نجاة باحكيم عادت في العام 2013م بإصدار مختلف تماما عما توقعناه عادت بحقيقة ظننت أن الكاتبة قد تناستها وطوتها بتجربتها القصصية الأولى … هي كتابة القصة الطويلة !
” يقول ( أرنست همنجواي ) وهو يعترف بأن روايته الشهيرة ” العجوز والبحر ” أتت بعد أن كان له تجارب سابقة فاشلة تعلم منها الكثير أنه يعمد إلى التلقائية وعدم التقعر أثناء الكتابة كما كان يحاول جاهدا أن يبتعد عن التقارير الصحفية ” .(1)
وقد استشهدت هنا بتجربة همنجواي تحديدا لبعض الشبه بين تجربته وتجربة باحكيم الروائية إلى حد ما من حيث البداية فهمنجواي يقول ( أن الفكرة المحورية لروايته آنفة الذكر ـ التي غدت بصمته الكبرى في الأدب العالمي ـ كانت واضحة تماما في ذهنه إلا أن المخطط الهيكلي أو التصميم الدقيق لها كان ضبابيا أول الأمر وشيئا فشيئا بدأت الأبعاد تتضح واختمرت حتى خرجت إلى الوجود واضحة السمات مكتملة الأبعاد ) .(2)
إن الكاتبة نجاة باحكيم في بداية مشوارها الإبداعي ربما كانت تجد في الكتابة الطويلة مساحة أكثر اتساعا وارتياحا للتعبير عن كامل مكنونات همها الاجتماعي والإنساني والأنثوي إضافة إلى الصبغة العاطفية الكبيرة التي برزت بين سطورها أحيانا وتعود إلى السمات التي تمتاز بها شخصية الكاتبة الرقيقة الهادئة نفسها وتدارئ خلف تقنيات عدد من نصوصها القصصية أحيانا أخرى .
وما عودة باحكيم السريعة إلى الكتابة الطويلة في إصدارها الروائي الجديد إلا دلالة على أن الكاتبة تميل إلى التعبير الحر نوعا ما والغير مقيد بأعراف وأحجام خاصة كما في القصة القصيرة والشعر والمسرح … وهنا يذكر د.نبيل غراب / دليل الناقد الأدبي ـ 1981م : ” أن هذا الفن ـ الرواية ـ تمكن من استيعاب وهضم أنماط كثيرة من الكتابة كالمقالة والخطابات الشخصية و

قد يعجبك ايضا