سـلطة التشــاؤم والفكـر
تعرف رفوف المكتبات سلسلة طويلة من الكتب التي يذهب مضمونها عامة إلى كيفية تحقيق السعادة والعيش الهانئ وسوى ذلك من سبل النجاح في مختلف مشارب الحياة. لكن الفيلسوف الفرنسي فريدريك شيفير المعروف بفيلسوف التشاؤم يذهب في الاتجاه المعاكس وذلك في عمل جديد يؤكد فيه قوة سلطة التشاؤم يحمل عنوان. “ألق المفكرين الحزينين”.
“ألق المفكرين الحزينين” هو في المقام الأول نوع من كيل المديح لأولئك المفكرين والكتاب والشعراء والفلاسفة وسواهم من الذين كان لهم أثر في الفكر والثقافة .
إذ إنهم كما يقول المؤلف: “نزعوا الغطاء وفككوا الأساطير الخاصة بالمشارب والأفكار التي تعلي من شأن وهم فن العيش”.
إن المؤلف. الفيلسوف يقدم في هذا الكتاب بصفحاته التي يقارب عددها مائتي صفحة نماذج عدة من الفلاسفة والمفكرين الذين يطبق عليهم صفة “المفكرين الحزينين” كما جاء في عنوان الكتاب. القاسم المشترك بين المفكرين الحزينين أنهم يحاولون تأمل شروط العيش الإنساني وآلام العالم الذي نعيش فيه. ويدفعون المعنيين بها إلى فهمها والتبصر بها. إنهم “حزينون”. ولكنهم ليسوا من أنصار الحزن بل هم على العكس من محبي الحياة بعمقها كما يشرح المؤلف.
ويبين المؤلف أن الفيلسوف اليوناني الشهير سقراط أحد النماذج الفكرية الحزينة التي تركت “إرثا فكريا إيجابيا” للحضارة الإنسانية. إذ إنه أنه كان “ضائعا في خضم أفكاره”. لكنه كان يملك صفة استثنائية تمثلت في التواضع المرافق للعظمة.
واعتقلوه من أجل أفكاره وحاسبوه وحاكموه وحكموا عليه بالموت. لكنه لم يتردد في تناول كأس السم بكل هدوء. إنه نوع من الفكر ومن الفعل الذي يترك إحساسا بالهدوء لدى من يتأمل فيه هدوء مترافق بالحزن من قبل فيلسوف تغذى أصلا بالحزن.
ومن “المفكرين الحزينين” الذين يقابلهم القارئ في الكتاب ايميل سيوران المولود في رومانيا عام 1911 والمتوفى في باريس عام 1995 والذي كانت حياته حافلة بـالحزن والتشاؤم. وحرم سيوران من العودة إلى وطنه الأم منذ العام 1946 في ظل النظام الشيوعي ولم يعد إليه أبدا.
ويتطرق المؤلف في السياق إلى مفكر آخر وهو الدوق الفرنسي فرانسوا دو لا روشفوكو الذي عاش في القرن السابع عشر. إذ أرغمته أفكاره العيش في المنفى لسنوات قبل العودة. وبقي يحارب كأحد جنرالات لويس الرابع عشر حيث جرح أكثر من مرة وكاد أن يفقد بصره. ومن الصفات التي يؤكد عليها المؤلف في فكر لا روشفوكو أنه كان صريحا في نقد مختلف أشكال النفاق الاجتماعي.
وهناك سيدة من القرن الثامن عشر تجد مكانها بين “المفكرين الحزينين” في تصنيف مؤلف هذا الكتاب. إنها ماري دو ديفان التي حملت لقب. مركيزة دو ديفان” عن طريق زواجها. وكانت من رواد “الصالونات الأدبية” الباريسية وكذا هي نفسها صاحبة أحدها الذي غدا من بين الأكثر شهرة في عصره. ويؤكد المؤلف أنها عاشت رغم ذلك حالة قاسية من العزلة والوحدة والحزن..
حيث كانت تردد باستمرار: “إن الحياة تلقي على كاهلها ثقلا كبيرا”. وينقل عنها الكثير من ما كتبته في رسائلها إذ ألحت فيها على رفض الأحكام المسبقة التي تفرض وجهات نظر لا تقوم على رؤية الواقع.
واعتبرتها مصدر التعاسة التي تخيم على الذين يتبنونها أي الأحكام المسبقة. وينقل المؤلف عن أحد آباء النقد الأدبي الفرنسي: سانت بوف قوله إن “السيدة دو ديفان كانت إلى جانب فولتير أفضل كتاب النثر ومن دون استثناء أي كاتب من كبار الكتاب” في عصرها.
المؤلف في سطور
فريدريك شيفير. فيلسوف فرنسي. السمة الأساسية التي تطلق عليه: “فيلسوف متشائم”. قدم العديد من الكتب في عدادها: “الفيلسوف من دون صفات”.
الكتاب: ألق المفكرين الحزينين
تأليف: فريدريك شيفير-الناشر: فلاماريون – باريس 2013 -الصفحات: 196 صفحة-القطع: المتوسط.
