حماقة الجاهليين

جمال حسن


 - عندما تحلو لنا الأشياء نبسطها بالعاطفة أحيانا تتلون ببريق أمل أكثر منه نتاج عقل. كان أحد أصدقائي يقول متهكما بأننا معشر اليمنيون نفكر بآمالنا. كان محقا مع وقوعه في فخ الانحياز لافتراضات مسبقة. جميعنا نقع في صبا المثقف
عندما تحلو لنا الأشياء نبسطها بالعاطفة أحيانا تتلون ببريق أمل أكثر منه نتاج عقل. كان أحد أصدقائي يقول متهكما بأننا معشر اليمنيون نفكر بآمالنا. كان محقا مع وقوعه في فخ الانحياز لافتراضات مسبقة. جميعنا نقع في صبا المثقف المنهمك بغنائية تفرد لا تحتمل الاختلاف. مع ذلك العالم يتسع عندما تكبر رقعة توقعاتنا واختلافاتنا. لكن إلى أي مدى يتقبل اليمني ما هو مختلف.
لا أظن فمنذ ما يزيد عن ألف عام مازلنا نقصي المهمشين ونرفض التعايش معهم. ربما أميركا انتهكت السود قرون لكن أوباما وهو إبن لمهاجر كيني مسلم صار أول رئيس من أصول أفريقية يجلس في البيت الأبيض. العالم ايضا يتطور وينتقد جرائمه هكذا تتشكل الأوطان فعمر أميركا تشكل كذلك على خارطة أعراق متعددة. اليمني انتهك أبناءه المهجنين من زيجات مع أفارقة ومازال يقلل من مواطنة أشخاص ذو أصول تركية. مع ذلك تقبل اليمني لجبروت التسيد الذي مارسه أجانب بل عاش في تلك الثنائية يؤصل لهذا التمايز. هكذا كانت اليمن على مدى قرون إفراز من الوهم لسلالات وقبائل ترفض استيعاب البشر كمواطنين إما أن تقصي وتنتهك حق الانتماء تحت ذريعة لون أو سلالة غير محلية أو انها تبالغ في الترحيب حد انتهاك الذات الوطنية فتختلق لنفسها طغاة. وبين أن تكون سوط ثمة يد تجعل منك أيضا جöلد لضرباتها.
هل نحن فعلا يمنيون أو أننا أجزاء مشرذمة مناطق وجهات قبائل وعائلات. حتى البلدان الكبيرة تعيش احتمالات الصراع حد التطرف الوحشي. عندما كانت روما تغزو العالم كانت كذلك تقتسم وتتقاتل فيما بينها لكن لا أحد يتجاوز وطنية روما. وكان بعض حكامها برابرة أمازيقيين شعرائها كذلك غير انهم صاروا مواطنين. وحين ظل برابرة الشمال الجرمانيين خارج مواطنتها انتهكوا حضارتها واحرقوها. اليمن عندما قررت أن تكون وطن ارادت أن تكون سلالة. قال ابن خلدون قبل ما يزيد عن خمسة قرون أن كل سلالة وهم. ومازال بعضنا يتغنى بحماقة جاهلي مسترجعا قبيلته. وذات يوم قال امرؤ القيس “اننا معشر يمانيون” بينما كانت مملكته في تخوم نجد. كان الوطن سلالة لكنه اليوم خليط من بهارات متعددة. ما الذي يجعل رجل مثل الحوثي يصعد ويحتكر خطاب الحكم له فقط لأنه سلالة منكرا حق كل مواطن لديه الكفاءة. لأن الحافز أيضا موجود في هذا الخليط المبهرج من التخبط في خريطة مناطقية وطائفية بينما اليمن مجرد فرضية للتساؤل.
لكن ما نوع تلك الفرضية¿ إنه بالنسبة لي سؤال أكثر تعقيدا من بساطته. وحدهم العبرانيون أصلوا لتقوقعهم القبلي في خارطة الدين وافترضوا ارضهم الموعودة وحتى وصايا الرب. أما اليمنيون فيبحثون عن الرب ليقدمون أنفسهم في مذابح قربانه. هل أتحدث عن خارطتنا الدينية وما لذلك من أشكال وتمايزات. هل أنكر حق الحوثي في أن يطلب الحكم. لكن ماذا لو قال هذا الرجل الجالس في خارطة هامشيته أقصد رجل ينتمي لتلك المجاميع يعيش في تلك الصفائح التي يتجمع فيها المهمشون. ألن يسخط الجميع ويبدأ في سخرية ملعونة. ليس لأن ذلك الشخص ينقصه التعليم والكفاءة بحكم افتراء مجتمعي نبذه لا فقط للونه وأصله غير المعترف به في قائمة الطبقات اللعينة. بل إنهم لم يكونوا طبقة في حضيرة الطبقات اليمنية القديمة لم يكونوا شيئا بل مجرد أطياف سمراء مغموسة في التعاسة وعبث إهمال الرائحة.
يستطيع الحوثي أن يطمح لحكم اليمن لكن كحق يتساوى فيه مع أي يمني. وليس لأنه يحتكر جينات الإمامة. وأنا أستطيع القول انه غير مؤهل للحكم ليس فقط لأنه مازال خارج السن القانونية بالنسبة لما يشرعه الدستور بل كذلك لأنه ليس كفؤ بل قائد ميليشيات دينية يتنكر لحق اليمنيين وينتقصه.

قد يعجبك ايضا