الحصبة ملتقى المصابين بالجذام
د. ياسين عبدالعليم القباطي
د. ياسين عبدالعليم القباطي
أوقفني الرجل الطويل لم يدعني أتقدم إلى المبنى الحجري الوحيد الذي لا مباني حوله لا أشجار داخله ولا تحيط به سوى شجيرات الصبار (القصص) الشوكي متناثر هنا وهناك لا يقربه أحد يرفع الصبار فروع كالأذرع تتضرع إلى الله أن يمنع اقتراب الإنسان من موطنها فغدا سيدمرها البشر ليأخذوا ماكنها للبناء والسكن في هذا المكان الموحش المسمى الحصب.
في اليمن تنتشر تسمية الحصب لكل أرض محيطة بالمدن: الحصبة يخرج إليها سكان المدن لجلب الحطب: كان سيدنا الفقيه في قريتنا ببيت أبو حسن يأمرنا فنذهب لإحضار الحصب لإشعال النار في الكتاب أيام للتدفئة فالحصب إذا هو الحطب وهو كل ألقيته في النار لتحبها وكان الفقيه يقول لنا لا يكون الحصب حتى يسجر به أي يحرق وكان يقرأ آية من القرآن ليدلنا على أن الحصب هو الحطب المشتعل وهو قوله تعالى: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) (الأنبياء: 89) إذا عرفت بأنني وصلت إلى هدفي الحصب منطقة عزل وإبعاد وسجن كل من أصابه الجذام.
وبخوف وحياء وخجل قرأت السلام على الرجل أو قفني وبدوره سألني أسئلة متتابعة: من أين أنت ¿ ولماذا أتيت إلى هنا¿ وإلى أين تذهب¿ وماذا تريد¿.
قلت أريد قسم الجذام قال: أنت في قسم الجذام ! هل معك تحويل ¿¿
قلت له نعم لماذا¿ قال: أنا المسئول هناك! أنا المدير ! إذا معك تحويل أرني إياه حتى أقرر لك ما يلزمك ولا تضيع وقتي لأنني ذاهب إلى مكتب الصحة في تعز لمتابعة مشكلاتكم يامجاذيم.
كأنه ينهرني أخرجت سريعا التحويل من مكانه السري من محفظتي في الكمر كانت قصاصة ورق صغيرة بحجم أصبعين: تلك الوريقة هي التحويل الذي كتبه الدكتور الحبشي وعليها توقيعه ومكتوب بها رقود في قسم الجذام قال العملاق «تمام اذهب واسأل عن الآنسي وانتظر سوف يقرر لك ما يلزمك» وأعطيته تلك القصاصة وتوجهت نحو المستشفى: أخذها وذهب نحو المدينة إلى مكتب الصحة الذي كان يديره طبيب مصري.
قسم الجذام لا يوجد به إدارة ويتبع المستشفى الجمهوري وأحيانا المستشفى العسكري يارب تخارجنا إذا كان مسئول القسم بهذه الحالة فكيف سيكون المرضى¿ كان الشخص الذي قابلني هو المرحوم محمد صالح العولقي وهو أقدم مريض ويعمل ممرض ومسئول مخازن وحارس ومدير لقسم الجذام الذي بناه الحاج علي محمد سعيد حين كان وزيرا للصحة بعد قيام ثورة 62 سبتمبر مباشرة وأخرج إليه مرضى الجذام المعزولين في مدينة تعز حيث كان معزل الجذام بجانب قبر شالوم يوسف الشبزي – الحاخام اليهودي اليمني الشاعر المشهور مؤسس مدرسة الشعر الحميني اليمني – ليتم عزلهم بعيدا عن سكان المدينة حيث عزل اليهودي بعيدا عن مقابر المسلمين خارج مدينة تعز عند قلعة القاهرة وعزل المجذومين بعد أن تم نقلهم من معزل آخر كانوا فيه خارج المستشفى العسكري بحارة المستشفى الأحمدي. تعز تفتح ذراعيها للمظلومين المصابين بمرض الجذام يأتون اليها من كل أنحاء اليمن ليجدوا الطعام والسكن والمأوى.
ذهب العولقي وأمرني أن أسير إلى القسم وأسأل عن الآنسي وهو الرجل الذي يساعده فهو مسئول عن قسم الرقود وتوزيع الأسر. فرحت عندما عرفت أن المسئول آنسي من قبيلتي وتقدم بشجاعة إلى قسم الرقود الذي لم يكن له سور ولا باب: مبنى حجري سقفه من الخشب والطين لا سور له بجدار في منتصفه إلى عنبرين للرجال وعنبرين للنساء ويختلط الكلاب بالناس في ساحته الترابية: وصلت إلى باب المستشفى خرج ناس كثيرون لمشاهدتي ويبدو أنه نادر ما يصل إليهم بشر في هذه المنطقة المعزولة وأي غريب يظهر هنا لابد أن يحمل قصة جديدة وقفوا أمامي سدوا طريقي أشكال وألوان من المرضى بعضهم سليمو الأطراف ومعظمهم مشوهون بدون أرجل يحبون على بقايا أطرافهم: أياد بدون أصابع كأنها عصيان ملتصقة بالجسد وجوه بدون أنوف وشفاه متدلية على الدقون تظهر بقايا أسنان وأنياب متناثرة وجوه متضخمة كوجه الأسد لا تعابير لها لا شعر على الحواجب وأجفان جرداء بلا رموش ودماء تسيل من الأنواف ومن جروح متقيحة.
بقايا بشر تجمعوا من كل أنحاء اليمن في حصب تعز تركوا مجتمعاتهم التي نفرت منهم وتجمعوا في مجتمع متشابه لا ينبز فيه أحدهم الآخر بعيبه فكلهم يشتركون بنفس العيب بنفس العاهات بنفس المرض: الجذام قاسمهم المشترك جمعهم هنا بعد أن فرقهم عن أهلهم وأبعدهم عن قبائلهم وتحولوا من منتجين إلى عالة على صدقات الناس من شخصيات مؤثرة إلى نكرات ماتوا اجتماعيا وهم أحياء جسديا.
فرحت بمن هم سليمي الأطراف وقد أصابهم الجذام غير ان أطرافهم سليمة مثلي فحمدت لله لأنه يوج