رحلة إلى (كوبا) أرض الحبö والثورة الحلقه الأولى
خالد عبد الحليم العبسي
المشهد الحقيقي لانصهارö السلالات البشرية وامتزاج الأعراق أحد معالم هافانا حتى قيل إن ذلك الامتزاج لا يسمح للكوبي بأن ينسب نفسه إلى عöرق خالص. أكثر من نصف السكان من البيض وربعهم من السود ويملأ الفجوة بينهما أجناس أخرى فيهم أقليات من الصينيين والعرب واليهود.
البيض جاؤوا من أوربا بعد أن اكتشف كولومبوس العالم الجديد والأفارقة أحضöروا لزراعة التبغ والسكر غرسوا السكر وتجرعوا علقم العبودية. أما اليوم فقد تصالح الإنسان والإنسان هنا… اللون الأبيض واللون الأسود يختلطان كأنهما على (تورتة) عيد ميلاد لا كأنهما على رقعة شطرنج وحينما تمشي في شوارع كوبا ترى روائع الامتزاج السلالي وجمال المفارقات اللونية آري الملامح بلون الشوكلاته عيونا بلون السماء
في وجه إفريقي وجوها يمتزج فيها اللونان ليعطيا سحنة بنية هجينة و(نيجرو) كلمة سهلة تشير إلى اللون ولا تضمر أي ازدراء.
لماذا تآختú ألوان البشر هنا في كوبا ولم تتآخ عند جارتهم أمريكا مع أن ظروف نشأتهم متشابهة¿ سؤال تخلق رويدا أمام المشاهد التي رأيتها ثم رفض التنازل عن علامةö استفهامهö.
حيث تتدلى الكرات الورقية الحمراء المنتفخة وتعلق الكتابة المتعانقة تظهر الجالية الصينية. إنه المكان الذي ينال عادة التسمية بـ(القرية الصينية) هناك تظهر المطاعم الصينية وهناك ترى لغة إسبانية مركبة على وجه صيني! وهناك أيضا ترى كوبيا يرقص صباحا ولكن على مذهب صيني مختلف!
العرب معظمهم من مهاجري لبنان وفيهم سوريون وفلسطينون. تقدر جاليتهم بخمسين ألفا ولهم جمعية أنشؤوها عام 79 بعد أن انصهرت فيها جمعيات مختلفة ولهم وثائق تدل على مشاركة في الثورات المبكرة لتحرير كوبا. اليهود لهم جالية أيضا وفيها تظهر على رؤوسهم تلك الطاقيات الصغيرة ولهم توراة باللغة الإسبانية ومعابد تقف في واجهاتها النجمة السداسية وذلك الشمعدان الذي تقف فيه تسع شموع في صف واحد ومقبرة خاصة ممزوجة بتلك الرموز التوراتية.
* * *
لم أحتج إلى كثير من التأمل لأعرف أن الحب والثورة طرفا عارضةö التوازن التي تحمöلها كوبا وهي تسير على حبل معلق. جدرانها تفيض بكلمات الثورة وشوارعها تحتضن مشاهد العشق. همسات الحب وصرخات الثورة تغلي في دمائها معا واللهو والكفاح يسيران متخاصöرين. نظرات العشق المتبادلة وحديث الشفة إلى الشفة أمام البحر وخلف الأشجار وفي الزقاقات وفي الشوراع الواسعة. عقول مدججة بالكلمات الوطنية وأناس يعشقون خöفافا وثöقالا وليس ثمة من يقدم للعشق ملف التقاعد… الحب والثورة هنا ينصهران في قالب الإنسان.
على الجدران عبارات تصرخ في وجه الحصار الطويل وفي مداخل المدن ومخارجها لا بد من علم كوبي أو شعار للثورة. (أن تموت بكرامة يوما واحدا خير من أن تعيش بلا كرامة كل يوم) على لوحةö مطعم (تحيا ثورتنا الاشتراكية) في صيدلية وعلى حائط (الاشتراكية أو الموت). إنها العبارة التي كان فيديل يرددها وتلك النجمة التي توجد على خد العلم الكوبي وعلى قبعة جيفارا ترى على واجهات المحلات العادية أو في مكان بارز من أماكن البيع والشراء.
“الثورة” هي اللازمة المتكررة في كلام هذه المدينة و(viva) إن لم تسمعها من أفواه الناس ستنطق بها عما قريب لافتة موضوعة في مكان ما. وجدتها بجانب رموز تنتمي للكفاح بجانب (كوبا) وبجانب (الثورة الاشتراكية) وبجانب (فيديل) وبجانب (26 يوليو) فهو من عام 1953 يوم تأسيس الحركة الثورية بقيادة فيديل ورفاقه.
ثورة على إيقاعö الغناء وغناء بهتافات الثورة. حتى الذين تجاوزوا الستين من العمر لا تذبل تلك الروح فيهم فمن السهل أن ترى في شوارع هافانا شيخا على رأسه قبعة كقبعة الرفيق جيفارا وأن ترى عجوزا -يصح أن يقال فيها شمطاء- إذا سمعت الغناء تراقصت له في الشارع!
يعشقون الجمال ويغنون للثورة وأجسادهم لا تصبر أمام الموسيقى وللرقص قائمة طويلة من الأسماء ليست (السالسا) و(الرومبا) و(التشاتشا) و(الباليه) إلا أشهرها. رقصات شعبية ورقصات مطورة ورقصات مستوردة ورقصات مهجنة. بلاد تطفح بالرقص وكأنه من الواجبات الوطنية أو كأن زوربا هو الذي قال لهؤلاء الناس “أقسم جسمي في جسوم كثيرة” فصار بوسع كل كوبي أن يعبر عن نفسه بلغة الرقص وصوت الجسد.
وإذا رأيت وأنت ماش في أحد الشوارع مجموعة يتعلمون الرقص مع مدرب فهم مجموعة تابعة لأحد معاهد تعليم الرقص وعندما زار كوبا الشاعر حöجازي تفجع على مصر قائلا: أخشي أن يأتي يوم نستورöد فيه الرقص الشرقي من كوباþ كما نستورöد فوانيس رمضان من الصينþ!!
رقصات ذات إيقاع هادئ ورقصات ذات إيقاع سريع ورقصات ما زال إيقاعها