عن خيار العلمانية..
عبدالرحمن مراد

مقالة

كثر الحديث هذه الأيام عن العلمانية ونجد سعيا حثيثا يهدف إلى الجدل حولها أو خلق مثل ذلك الجدل ربما بهدف إثارة السؤال الفكري وربما لأغراض سياسية فقد قرأنا خلال ما سلف من الأيام آراء متباينة حول فكرة العلمانية ومدى صلاحيتها للواقع السياسي اليمني إذ إن هناك من يرى في العلمانية حلا لمشاكل هذا الوطن وهذا البعد سيكون محور نقاشنا راغبين عن كل ما سواه.
وقبل البدء أود التأكيد أن إثارة السؤال الفكري أصبح ضرورة في واقعنا السياسي والثقافي والاجتماعي ونحن نحمد لأولئك الذين أثاروا مثل هذه الأسئلة في حياتنا.
وكل الذي نأمله أن يكون هناك حوار عقلاني يستند على أسس المنطق السليم وحقائق التاريخ بعيدا عن زيف المكابرة وعبارات التجريح التي قرأناها في بعض النقاشات.
وعودا على بدء أقول إن فكرة العلمانية التي يقول البعض إنها تحمل حلولا لإشكالات اليمن بكل تعقيداتها وتموجاتها تلك الإشكالات التي تأتي الأمية الأبجدية والمعرفية والثقافية في المراتب الأولى في مكونها العام لن تكون العلمانية الوسيلة المثلى لمعالجتها بمفهومها الفلسفي الغربي كما أننا لسنا من العجز بمكان حتى نستورد الأفكار التي تصلح أحوالنا كوننا نملك نفس القدرات العقلية التي جعلت من عصورهم الوسطى منطلقا للإنسان حتى يتمكن من السيطرة على عالمه ويحقق لنفسه الرفاه المادي والنفعي من خلال اكتشافه لأسرار الكون والطبيعة وتوظيفها لمختلف أنشطته الحياتية ويقال إن سبب هذا الرفاه فلسفة ابن رشد القائلة بوجود حقيقتين هما: حقيقة الدين «الكلام» وحقيقة الفلسفة «العلم» ولكل منهما منهج خاص ولهما في النهاية غاية واحدة وهي تحقيق الفضيلة وابن رشد فيلسوف إسلامي نفخر بمنتجه الفكري على العالمين لكننا في حقيقة الأمر أصبحنا عاجزين عن قراءته والإضافة إليه كسلا وخذلانا من عند أنفسنا.
والحقيقة الثابتة أن الاسلام بثرائه وتنوعه يختلف اختلافا جذريا عن الكنيسة وتوجهاتها وهو يحترم العقل احتراما كليا ولو كان الأمر عكس ذلك لما كان ابن رشد ذلك الفيلسوف الإسلامي الذي أوحى بفكرة هذا التحول الحداثي الإنساني ولذلك فإننا نرى أن فكرة العلمانية التي يراها البعض حلا لإشكالات اليمن في راهننا الحضاري ليست أكثر من تعميق لجذور الإشكالية ولا تحمل حلا لسبب بسيط وهو أنها تكونت في فضاءات ثقافية غربية عن بيئة هذا الوطن ولذلك فإن استدعاء أي نموذج بحمولته الثقافية يكون حلا بقدر ما يكون عبئا معيقا للتطور الاجتماعي المنشود. وبقليل من التأمل نجد أن الأنظمة العربية بأجمعها علمانية ذلك لأنها تفصل الدين عن السياسة. ولعلي قد لا اختلف كثيرا مع قادري أحمد حيدر حيث يقول: من المهم فض الاشتباك بين الدين والدولة لصالح الدين وإزاحة مفهوم الدولة فالدولة الاستبدادية تاريخيا حولت الدين إلى مجرد فتوى وإلى سلاح ايديولوجي لتكريس سلطة الأمير أو الخليفة أو السلطان أو الرئيس.
إذن نحن بحاجة إلى إعمال العقل لا استدعاء النماذج الجاهزة ولعلنا ندرك أن العلمانية بدأت مع معاوية في العصر الأموي وقد لا نختلف على الخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز الذي بدا وكأنه استثناء في عصره أي عصر الدولة الأموية ذلك لأنه تمثل الإسلام فكان نموذجا ويمكن أن يقال إنه جسد القيمة المثلى لغايات ومقاصد الدولة الإسلامية حتى قيل إنه كان ينادى للصدقة في القرى والأمصار فلا يجدون لها مصرفا. هذا النموذج كان في زمن غير زمن الخلافة أما في زمن الخلافة فيمكننا قراءة خطبة أبي بكر رضي الله عنه وعمر بن الخطاب وقراءة سيرتهما الذاتية وتحويل ذلك إلى رؤى وغايات تحقق مقاصدنا من قيام دولة إسلامية حديثة بعيدا عن قيم العلمنة التي جاءت ملبية لطموحات وغايات الإنسان الغربي واستطاعت أن تحقق غاياته وأهدافه حين حررته من محاكم التفتيش وعوامل الكبت وأساليب التعذيب المادي والمعنوي فاستطاع أن يؤسس لحضارة جديدة وأزمنة أكثر تفاعلا وتطورا.
وخوف الإسهاب دعوني أقول إننا في أشد الحاجة إلى محاكمة الواقع ودراسة مشكلاته حتى نتمكن من تقويمها لابد لنا من نقد الأنساق الثقافية والفكرية للبنية المعرفية وإعادة صياغتها وفقا لمتطلباتا الحاضر وضرورات المستقبل وفي إطار الثابت والمتغير من الدين.
دعونا نشتغل على هم التجديد والتحديث ورصد تموجات الواقع والنقد والمراجعة فقد نؤسس لنقطة انطلاق وتحول باتجاه عملية التجديد والإصلاح .. أي إصلاح الفضاء الثقافي والاجتماعي والسياسي.. إن مهمتنا في الوقت الراهن تنحصر في بث الوعي وتعميق الشعور بالحاجة إلى التجديد بعد الكشف عن الأزمات التي نعاني منها فكريا وثقافيا.. نحن بحاجة إلى جدل
