غونتر جراس و…… السياسة

بقلم : إدوارد كارني بيون


ترجمة : محمد عبد الواحد الكميــــم

لطالما كان الأدب المبني على الرسائل الإنسانية مشعلا في يد صاحبه. والأديب الملتزم بقضايا وطنه أولا يتبنى قضايا المظلومين في العالم باعتباره جزءا من المجتمع الانساني الاكبر وهذا تماما ما فعله أحد أشهر أدباء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية والفائز بجائزة نوبل للآداب عام 1999 (غونتر غراس) الذي نشر بداية العام الجاري قصيدة سياسية اتهم فيها إسرائيل بأنها خطر على السلام العالمي. وقبل أسابيع قليلة نشر (غراس) قصيدة جديدة يدعو فيها إلى تكريم (مردخاي فعنونو) الخبير النووي الإسرائيلي الذي كشف بعض أسرار البرنامج النووي الإسرائيلي عام 1986 على خلفية مناهضته لانتشار أسلحة الدمار الشامل ووصفه بأنه «بطل أيامنا ومثال يحتذى». اليوم عاد (غراس) وشن هجوما جديدا على إسرائيل واصفا إياها بالدولة المحتلة التي اعتدت على الآخرين وسرقت أراضيهم حيث قال في حديث مع إذاعة «ان دي آر» الألمانية إن «إسرائيل هي قوة محتلة وقد سرقت أراضي على مدى سنوات وطردت منها السكان واعتبرتهم مواطنين من الدرجة الثانية. وهناك لحظات عنصرية في تاريخ إسرائيل. ذلك يحزنني ويجب أن يحزن كل صديق لإسرائيل تماما مثلما يحزن العديد من الإسرائيليين».
وفي الوقت الذي يمارس فيه الاحتلال بطشه مسخرا أقلاما مأجورة في كل مكان تروج لمقارفاته بحق الشعب الفلسطيني بحجة الدفاع عن النفس يقف (غراس) ضد الغوغائية الصهيونية ليكشف زيف الدولة الصهيونية ويطالب بوقف البروبوغندا الإسرائيلية الكاذبة. نحن أمام أديب كبير ذي مواهب عديدة يعرف عنه اهتمامه بالسياسة ودفاعه عن قيم المساواة والتسامح والسلام. وإن شخصا بهذه السوية وبهذه القناعة لا يمكن إلا أن نقر بصعوبة فصل إبداعه الأدبي عن مواقفه السياسية. فالأديب الحقيقي يمتلك وجهة نظر خاصة بما يدور حوله ومن الحياة والكون بشكل عام ويقف إلى جانب القضايا الانسانية باستمرار «الحرية الديمقراطية الحياة الكريمة» ويقف في صفوف المعارضة وضد الأنظمة السياسية ينتقد أخطاءها ويشير إليها باتجاه الحقيقة دائما فما بالنا بإسرائيل: دولة «الأبارتيد» العنصرية اليمينية الشوفينة.
في مقال بعنوان «دفاعا عن غونتر غراس» يقول الصحفي والمفكر والأديب المستشرق (خوان غوايتسولو): «قلت بأنه يمثل تلك الحرية الغالية والمحفوفة بالمخاطر في بعض الأحيان. ما يكتبه ويقوله غراس أدى إلى سيل من الهجمات ضده في الصحافة الألمانية والكثير من وسائل الإعلام الغربية هجمات تحولت إلى عملية إعدام خارج نطاق القانون أقل ما يقال عنها أنها مخجلة». ويضيف: «ماذا قال غراس¿ لم يقل غير ما كان يعرفه الجميع بالفعل وظل رئيس حكومة تل أبيب لسنوات يلوح به كفزاعة: إن البرنامج النووي الإيراني هو المنطلق لمحرقة جديدة وإن أحمدي نجاد هو تناسخ لهتلر. حجة غراس هي حجة أي شخص عاقل يستطيع التمييز بين الخطاب المريع للزعيم الشعبوي الإيراني («محو إسرائيل من الخريطة») وتوازن القوى الحالي قيد الرهان الذي ليس لصالح إيران آيات الله. استخدام ذاكرة أهوال المحرقة ليس هو الطريقة الأفضل لضمان السلام والأمن لإسرائيل داخل الحدود المعترف بها دوليا عدا من لدن إسرائيل». وختم: «خلال رحلاتي إلى الأراضي المحتلة في السنوات العشرين الماضية أتيحت لي الفرصة للتحدث مع المثقفين والأساتذة الجامعيين الإسرائيليين المعارضين لسياسة بناء المستعمرات والمستوطنات في الضفة الغربية وعقيدة الخلاص لدى اليمين المتطرف الصهيوني. الكثير من هؤلاء اتفقوا مع جان دانيال رئيس تحرير أسبوعية (لونوفيل أوبسيرفاتور) الفرنسية حين أشار إلى المفارقة في هدف الحركة الصهيونية (القاضي بإقامة الشعب اليهودي لدولة مثل غيرهم والذي أدى إلى إنشاء دولة مختلفة عن غيرها من الدول) بحيث أنها لا تحترم القانون الدولي (حدود ما قبل 1967) ولا قرارات الأمم المتحدة».
إن هذه النوعية من الشخصيات هي التي تخدم القضية الفلسطينية اليوم عبر حركات التضامن الدولية ذلك أن صوتها وإن كان مرفوضا لدى البعض فإنه مسموع لدى الكثيرين هؤلاء الذين يعتمدون بطبيعة الحال مبدأ اللاعنف باعتبار أن النقيض «العنف» يشكل مبررا للاحتلال الإسرائيلي للادعاء بان المقاومين الدوليين يعملون بشكل غير قانوني الأمر الذي يحد من استمرار المقاومة. كما أن صوتهم المقاوم أحدث نقلة نوعية في الأصوات التي بينت للعالم حقيقة وقدسية وشرعية المقاومة الفلسطينية الحديثة كنموذج جماهيري يشارك فيه الجميع نموذج متنام ومؤثر دون أن ننسى تأثير سقوط عدد من الشهداء.. (راشيل كوري) (توم هندورال) (فيتوريو اريغوني) حتى تحولت حركة التضامن إلى رديف يقاوم الاحتلال الإسرائيلي تؤمن بالحق الفلسطيني المشروع وحقه في مقاومة الاحتلال.

قد يعجبك ايضا