نادي السيارات.. أبطال الأربعينيات يتحدثون عن ربيع اليوم
ريــــا أحـمد
للوهلة الأولى يظن من يقتني رواية الدكتور علاء الأسواني الجديدة(نادي السيارت)إنه أمام كتاب يؤرخ لصناعة السيارات وتاريخ انتشارها في العالموالحقيقة أن الأسواني قدم مشكورا نبذة عن السيد كارل بنز مخترع أول سيارة في العالم بطرقة روائية شيقة بيد أن بقية الرواية تنفصل عن حكاية كارل بنز بالرغم من أن حكاية نادي السيارات بذات نفسها ترتبط حتما بتاريخ اختراع السيارة حيث يقوم نادي السيارات في مصر على قوانين عنصرية من مبدأ أن مخترع السيارة أوروبي وعليه تسير أحداث الرواية. كعادة الروائي علاء الأسواني فهو يشد القارئ منذ الوهلة الأولى فيتعلق بشخصيات الرواية ويتشوق لمعرفة أحداثها ويستمتع اشد الاستمتاع بتفاصيلها. للرواية شخصيات كثيرة حبك تفاصيلها الراوي كما حبك أحداثها بيد أن بطلي الرواية هما كامل وصالحة عبد العزيز همام فهما دون غيرهما من شخصيات الرواية الذين يفرد لهم الروائي مساحة واسعة ليتحدثا كروائي داخلي معنون الفقرات الخاصة بهما باسميهما وهما ذاتهما من ذهبا إلى المؤلف قبل أن يخرج روايته من جهاز اللابتوب لتخرج كائنا على الورق حدث ذلك في بداية الرواية بينما ذهب الراوي إلى الشاليه الخاص به في الساحل الشمالي لكي يقرأ الرواية للمرة الأخيرة قبل إخراجها ورقيا وإرسالها إلى الناشر حين فوجئ بشاب وشابة خرجا من حقبة الأربعينيات ليطلبا منه بكل أدب أن يعدل في بعض التفاصيل وهي التفاصيل التي لم يعرفها القارئ حتى نهاية الرواية. بعد زيارة كامل وصالحة عبد العزيز همام المفاجئة والخرافية للمؤلف يتحدث الراوي عن كارل بنز المخترع الأول للسيارة في العالم حيث يتحدث الراوي عن تجربة كارل بنز والخيبات التي مر بها قبل أن يتقبل الناس اختراعه الغريب حينذاك. كان لا بد من الحديث عن بنز لكي يستوعب القارئ القوانين التي على ضوئها وضعت قوانين نادي السيارات في مصر وهي لا شك قوانين عنصرية تمنح امتيازات كثيرة للأجانب وتمنعها عن المصريين أنفسهم كونهم واقعين تحت وطأة الاحتلال المقيت وحكم الملك الفاسد. يلي ذلك الحديث عن عائلة عبد العزيز همام الصعيدي الشهم الذي كان ثريا يملك الأطيان والأموال إلى أن أفلس واضطر لاحقا أن يهجر عائلته و بلدته في الصعيد ليعمل كمساعد في مخزن نادي السيارات ولأن عبد العزيز سليل العائلة الهمامية فلقد كان يتوجب عليه فتح بيته في مصر لأهل الصعيد الذاهبين لمصر لمصلحة ما علاج أو تجارة أو ما خالفه وهذا يشمل ضمنيا أكلهم وشربهم وأحيانا كسوتهم بينما هو عامل مخزن ذو راتب ضئيل وهذا ما جعل ابنه البكر سعيد يحقد عليه ويلومه في نفسه. تسير الأحداث بنسق مرتب ومتشوق وتدخل شخصيات كثيرة سواء في عائلة همام وجيرانه وزملائه في نادي السيارات ولاحقا بـ(الكو) وهو سيد الخدم في كل القصور الملكية ونادي السيارات وهو شخصية مقيتة يرتعب منها كل الخدم وله مكانة خاصة عند الملك وهذا بذاته ما جعله شخصية مؤثرة ومهمة في النص إضافة إلى ذلك نجد مستر رايت مدير نادي السيارات الانجليزي المقيت الذي يكره المصريين ويراهم كسالى وقذرين ويتأفف منهم ومن بلدهم بيد أن وجوده هناك بسبب وظيفته المريحة ذات الراتب الكبير الذي لا يمكن أن يحصل على وظيفة في بلدة بنصف ما يتقاضاه في مصر. شخصيات كثيرة منها الأساسي ومنها الثانوي إلا أن جميع الشخصيات مؤثرة ومهمة. أحداث الرواية كانت في أربعينيات القرن الماضي إلا إنها ترتبط ارتباطا وثيقا بما هو حادث اليوم وكأن الراوي يريد أن يقول لنا ما أشبه اليوم بالبارحة فالفساد والحكم الديكتاتوري في تلك الحقبة الزمنية هو ذاته ما نشهده اليوم وأن الاستبداد الذي جعل نهاية الكو(رمز الاستبداد)في نهاية الرواية هو نتيجة طبيعية وحتمية للإهانات التي تعرض لها عمال نادي السيارات والتي كان يمارسها الكو عليهم وعلى كل من يعترض على سياسته المتعجرفة والمتسلطة وان الخنوع والخضوع لا بد وان يتحول إلى بركان هائج لا يعرف الخوف وهو ما حدث مؤخرا في عدد من البلدان العربية التي ثارت ضد الفساد والحكم الديكتاتوري الذي ما لبث أن خلق بركانا أطاح برموزه كما أطيح في نهاية الرواية برمز التسلط والجبروت(الكو).
يظل المكان بطل كل روايات الاسواني فكانت روايته الأولى(عمارة يعقوبيان) وبعدها رواية (شيكاغو) وهما روايتان بشخصيات عديدة وتفاصيل متعددة كما في رواية (نادي السيارات) ليكون المكان هو سيد الموقف تتفرع من الأحداث وتلتقي فيه الشخصيات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تمنح القارئ متعة في القراءة وتجعله مرتبطا بكل الشخصيات سواء أكانت طيبة أو شريرة لنصل في النهاية إلى متعة حقيقة يمنحنا إياها الروائي ببراعة نادرة. بقي أن أشير إلى أن الرواية تقع في 644 صفحة من القطع المتوسط وصدرت عن دار الشروق في طبعتين صدرتا في العام الجاري.