سقوط البوكر في رواية (مولانا)

■ بشير زندال



نتيجة للشهرة التي نالتها رواية مولانا للصحفي والاعلامي المصري ابراهيم عيسى اثناء الاعلان بجائزة البوكر والمنافسة الشديدة التي كانت بين هذه الرواية ورواية ساق البامبو للكويتي سعود السنعوسي فقد تشجعت لقراءة هذه الرواية البالغة عدد صفحاتها (554). بيد أن خيبة في التلقي أصابتني منذ الصفحات الاولى للراوية.
يمتاز الكاتب إبراهيم عيسى بقلم سيال ورائع في الصحافة واشتهر عنه الكتابة السياسية الساخرة من النظام. كما أنه يظهر على الشاشة الصغيرة في برنامج ليناقش قضايا يومية من الشارع المصري والعربي. وها هو الآن يدخل عالم الرواية برواية مولانا. وهي رواية تبحث في عوالم (الشيوخ ستار) او شيوخ الفضائيات وعالم التناقض الذي يعيشونه فهم قد وعوا جيدا لعبة (الجمهور عايز كده) لذلك قد يبتعدون عن إبداء أراءهم الشخصية حتى لا يخسروا الجمهور الذي يتابع برامجهم.
بطل الرواية هو (الشيخ حاتم) وقد صوره الكاتب كأنه (سوبرمان المعرفة) يعرف كل شيء في الاديان ويحفظ الاحاديث الموجودة في البخاري ومسلم جيدا (رغم أنه وصفه في بداية الرواية بأنه ببغاء يردد أقوال الفقهاء الاخرين ثم اصبح غارقا في الخرافة والتخلف مع الرفاعية.. فمن أين حصل على هذه المعلومات والعقلية المستنيرة¿¿). ويحفظ ما قاله السلف ويعرف من هم المعتزلة (الحقيقة أن الكاتب أصلا لا يعرفهم جيدا) ويدافع عنهم. ناجح في البرامج التي يقدمها مما وفر له حياة كريمة فهو يعيش في فيلا ولديه سائقين وموظفين ولديه ايضا علاقات مع علية القوم من كبار الفاسدين وهي التي أوصلته إلى (نجل الرئيس) الذي يطلب منه إقناع أخي زوجته الذي اعتنق المسيحية بالعودة إلى الاسلام. ولأجل هذه الجزئية في الرواية أورد ابراهيم عيسى كل أراءه الدينية على لسان الشيخ حاتم الذي يدخل في نقاشات مع شاب خرج من الاسلام.
دخول شخصية (نادر) الممثل الفاشل في الرواية كان حشرا كما في الافلام .. كما دخول العديد من الشخصيات .. توظيفها كان سينمائيا .. بمعنى أن تظهر في مشهد واحد لتوصيل فكرة معينة ثم يخفيها الروائي.
كما أن إبراهيم عيسى كان يترك صوته يتوغل في الرواية على حساب صوت الشيخ حاتم. فتراه يهاجم شيوخ السلفية ويتصيد أخطائهم ولكنه يتغاضى عن أي خطا للشيخ الصوفي (مختار الحسيني) لم يكن الشيخ حاتم هو من يتكلم لكنه إبراهيم عيسى الذي يسخر ممن يشاء ويمجد من يشاء.
استثمار شخصيات تظهر فجأة ما هو إلى طريقة سينمائية وليس روائية لمساعدة البطل على إيصال فكرته .. كشخصية نشوى التي ظهرت كي (تسخن الحكاية) وتدخل في نقاشات المراد منها ان يجيب الشيخ حاتم عن تساؤلات تشغل المؤلف نفسه إبراهيم عيسى ويحاول الرد عليها وقد رد على بعضها ابراهيم عيسى في برنامجه. ظهرت نشوى كي تكون المنصت لخطب الشيخ حاتم عن المعتزلة من بداية ظهورها كتيار فكري في التاريخ الاسلامي وليدافع عنها في وجه الهجوم السلفي التاريخي على المعتزلة. لكن حشرها في الرواية لم يكن روائيا بل كان كأنه في برنامج من برامج القنوات التعليمية التي لا توصل المعلومة جافة بل توصلها في سياق شخصية تتساءل وشخص أخر يجيب عن هذا التساؤل . وحتى في مسالة إكتشاف انها كانت مدسوسة عليه من قبل أمن الدولة كي تأخذ منه الملف الذي وضعه عنده الشيخ مختار. ثم في مسالة اعتذارها واهتمامها واقتناعها بكل ما قال عن المعتزلة لم يكن موفقا. فهذه الشخصية ليست روائية بقدر ما رسمت سينمائيا.
للاسف غلب الحوار على السرد في الرواية . وهم مما يضعف العمل الروائي. بل ظهرت الرواية كأنها سيناريو لفيلم سينمائي يتمنى ابراهيم عيسى من أحد المعارضين لحكم الاخوان أو للاسلام السياسي أن يتبناه وينتجه كفيلم .ولا بد أن يتحول إلى فيلم في السنوات القادمة. حتى في بداية الرواية, بدأت كفيلم وليس كراوية. بدات (بمشهد) الشيخ حاتم وهو في الاستوديو يتلاعب بالاسئلة والفتاوي. بداية سينمائية بإمتياز.
كما ان ثقافة إبراهيم عيسى عن المعتزلة (الذي يدافع عنهم بقوة) ما زالت هي قاصرة ولم يذكرها ولم يتناولها هو في الرواية إلا كباحث جمع بعض المقالات عن المعتزلة من النت (وهو ما انتقده بشدة في الرواية) لان المعتزلة في العصر العباسي (عكس ما ذكر في الرواية) كان لهم حظوة كبيرة على عكس ما ذكر بانهم حوربوا في العصر العباسي .. بل إن اعتناق الخليفة المأمون للمذهب المعتزلي كان له دور كبير في نهضة العالم الاسلامي لأن علماء الاعتزال اقنعوه بضرورة ترجمة كتب المنطق اليونانية فقام الخليفة المأمون بعقد معاهدات سلام مع الرومان شريطة تزويده بمخطوطات ارسطو وغيره من فلاسفة اليونان ..واسس بيت الحكمة الذي ترجم كتب المنطق .. وبجوار المنطق تم ترجمة العلوم كلها من اللاتينية إلى العربية .. في الطب والهندسة والفلك والرياضيات والجغرافيا .. وانطلقت مسيرة الحضارة العربية. واستمر المعتزلة في عصرهم الذهبي مع العصر العب

قد يعجبك ايضا