الحياة مطبات

جميل مفرح


 -  .. مرات عدة مرت على هذه العبارة أو مررت بها  وكانت آخر مرة وقعت عليها حواسي إذا لم تخن الذاكرة مطبوعة على الزجاج الخلفي لباص أجرة في أحد شوارع العاصمة صنعاء ..

.. مرات عدة مرت على هذه العبارة أو مررت بها وكانت آخر مرة وقعت عليها حواسي إذا لم تخن الذاكرة مطبوعة على الزجاج الخلفي لباص أجرة في أحد شوارع العاصمة صنعاء .. وقبل ذلك تليقتها شفاهية والتقطتها من شارع الحياة اليومية.
(الحياة مطبات) عبارة قد تبدو عادية وربما ممجوجة حين تلتقطها إحدى الحواس للوهلة الأولى وقد تكون لها أهميتها حسب المكان والظرف التي ترد فيه .. فحين تكون مطبوعة على واجهة من واجهات سيارة وبالتحديد كما مرت علي آخر مرة على واجهة باص أجرة فقد تكون لها دوافعها خصوصا مع ما تزخر به الطرقات والشوارع من تنمية غير مسبوقة في إنتاج الحفر والمطبات.
٭ في بداية الأمر أجد لها ما يبررها في اعتيادية ربما تحفل بقدر من السخرية أو الفكاهة التي يتفنن فيها سائقوا سيارات الأجرة عبر ما يخطونه من عبارات ومقولات تمثل شخصياتهم وتتمثل مهنتهم وهواياتهم وربما أن إبداعاتهم ومواهبهم في تلك المهنة .. وفي تالي الأمر سرعان ما تحضر هذه العبارة بقوة كمعاون موضوعي أو تعبيري عن صعوبات الحياة وهمومها ومشكلاتها فتبدو وكأنها فصلت على هذه الحالة من الحالات الخاصة أو ذاك الوضع من الأوضاع العامة .. أما نهاية الأمر فقد حضرت هذه العبارة واستفحل معناها من تجربة شخصية شهدها معي عدد من الزملاء والأصدقاء وخلال رحلة ذهاب وإياب إلى ومن مدينة الحديدة ومن طريقين مختلفين رغبة منا في التنويع سواء في المسافة أو في المشاهد والمناظر ومعرفة المزيد عن الأماكن والقرى والمدن والمناطق التي تفصل مكان إقامتنا عن وجهتنا المبتغاة (مدينة الحديدة) فمن هذه الرحلة حصدنا الكثير من المتعة والانتشاء وكانت متنفسا مناسبا في توقيت أكثر مناسبة للانسحاب المؤقت من ضوضاء المدينة العاصمة وسأم الروتين المعيشي والوظيفي .. وكل هذه باعتقادي مطبات كبيرة لا بد للفرد من تجاوزها ومحاولة تقليل آثارها في حياته اليومية بأي طريق من الطرق!!
٭ في هذه الرحلة واجهتنا ظاهرة غريبة وهي تطعيم الطرق الطويلة بالمطبات الاصطناعية أو الترابية المفتعلة بشكل يبعث على الاستغراب ويولد الكثير من التساؤلات التي لا أظنها ستفوق أي مهتم إذا طرح موضوع كهذا وبدت هذه الظاهرة في الطرقات وكأنها الشر الذي لا بد منه ونظرا للزوميتها أو ملازمتها لنا طوال رحلة الذهاب والإياب فقد اقترح أو توافق الزملاء على تسمية هذه الرحلة بـ(رحلة المطبات) وقد كان من آثارها أو نتائجها أن السيارة التي اقلتنا لم تكتف بسائق واحد بل المجموعة المكونة من ستة أشخاص كل واحد منا أخذ نصيبه من قيادة السيارة وفي آن واحد نتيجة لما وجهته لنا الطريق على امتدادها من لكمات ولكزات منها الموجع لنا ولسيارتنا ومنها المرعب والمفزع ومنها ما يمثل رسائل من ايماءات بضرورة السير على أقل من مهلنا وإن طالت المسافة!!
٭ كل ما واجهناه طوال رحلة الذهاب التي كانت ليلية كانت بمثابة حافز للتيقظ والحذر أحيانا ومبعث سخط واستياء أحيانا إلا أنه كان أحيانا أخرى سببا للتندر والسخرية والضحك حتى غدت لفظة مطب لا تفارق فكرة ولا تترك عبارة مما نتقاذفه فيما بيننا بغرض التندر والضحك والابتهاج .. رغما عن كون موضوع كهذا لا بد أن يكون مبعث حزن وقلق وربما غضب عارم نتيجة ما تفعله تلك المطبات وما قد تفعله من كوارث مرورية ذات عواقب مريرة.
٭ لقد كانت مفاجأة المطبات لنا تلك الليلة سببا لنقاش طويل طوال الرحلة وبحث في ضرورة وأهمية تلك المطبات فوجدنا ما يبعث على السخرية حقا فحين تكون السيارة منهكة بطول الطريق في سرعتها المفترضة أو المتوسطة على الأصح وتفاجأ بذلك العملاق المسمى «مطب» ملقيا جسده بعرض الطريق فلا تجد إلا أن تقفز إلى العالي وكأنها حصان يجتاز مضمارا مطعما بالحواجز نتأهل فنجد أن سبب وجود هذا المطب كونه يسبق طريقا متفرعا ربما لا تمر منه إلا سيارة واحدة في اليوم .. أما إذا كان المعترض مطبين تفصل بينهما مسافة بين عشرة وعشرين مترا فتلك المسافة خاصة ببائع طماطم أو بطاط يقضي نهاره بحماية هذين الحاجزين اللذين يرفعان من نسبة الاقبال على بضاعته من قبل المارة والمسافرين!!
٭ الأمثلة والتسمية والمبررات لوجود تلك المطبات أكثر من أن تحصى هنا ولكنها بالطبع أخطر من أن تكون موضوعا للتندر والفكاهة والاستهتار بحياة وسلامة البشر .. وكل ذلك حاصل دون وجود من ينهى أو يمنع مثل هذه التصرفات السيئة لا مجالس محلية ولا جهات اختصاص ولا حتى عابري سبيل مع أن الجميع أو الكثيرين يمرون على هذه المطبات ويكتفون بلعنها وشتم من وضعها .. أو يكتفون كما فعلنا بتذكر مقولة (كلها الحياة مطبات)!!

قد يعجبك ايضا