الغد
عبدالرحمن مراد

مقالة
مع انبلاج شمس سبتمبر من كل عام تستعيد الذاكرة الاعلامية الشعارات الثورية البراقة التي لم تعد تلامس مشاعر الناس وتكاد أن تكون خارج نطاق الاهتمام العام.
لقد انتهى زمن الثورة أو كاد ولم يعد ذلك الزمن ملائما لكل أنماط العيش الحديثة كما أن إعادة انتاج هذا الزمن أصبح ضربا من الالتفات وربما الثبوت الذي يتأسن حتى كادت الذائقة تمجه.
تلك أمة قد خلت وأصبحت حبرا يزين أوراق التاريخ وليست أكثر من ذاكرة انقضت كما أن المرحلة التي فرضتها لم تعد قائمة بل لقد جد من الأمر ما جد وظل منه ما ظل ونحن على أعتاب مرحلة يجب أن نتعامل معها لا بمنطق ما كان بل بمنطق ما هو كائن.
ما أشد حاجتنا هذه الأيام إلى قراءة ما سلف من أيامنا لا بمنطق المقدس والثابت الذي دأبت عقولنا على تأصيله بل بمنطق العقل الذي يتجاوز لحظات التاريخ ليصنع من ملامحها المستقبل.
لست مع تلك القائمة الطويلة من المناسبات الوطنية ولكني اجد نفسي مع اللحظة والغد الذي أنتظره وتنتظره الأجيال القادمة ذلك أنني أشعر مع كثير من ابناء جيلي بالحاجة إلى صناعة الغد لا التغني بأمجاد الماضي بين اللحظة والأخرى أشعر بحاجتنا الشديدة إلى سباق الزمن لا الالتفات إلى الوراء الذي أرهقنا كثيرا وجعلنا نتمحور حوله ولا نستطيع أن نتجاوزه.
قد يظن البعض أنني ضد هذا الحدث أو ذاك لا أنا لست ضد التاريخ لأنني أرغب أن أصنعه لا أن أتغنى به في ذكراه السنوية بل أكاد أكبر صانعيه وأمجدهم.. ذلك لأنهم حاولوا أن يصنعوا شيئا لنا.. فلماذا لا نصنع نحن شيئا لذلك القادم من بين مبازغ الشمس.
إن شعورنا بأننا أبناء اللحظة والغد وقد يفتح امامنا دروب المستقبل ويجعلنا امام مواجهة اللحظة التي تنتظر منا الخلق والتجديد والتحديث.
لا أظن أن تلك اللحظة الغابرة من الزمن تشكل حافزا لهذا الجيل بل اكاد اجزم انها اصبحت تشكل نكوصا نفسيا ذلك لأن الزمن الماضي ظل ممتدا في صميم اللحظة ولم يتجاوز ما كان إلى الأحدث والأجمل لذا فالضرورة تفرض علينا تجاوز لحظات التأمل التي اطلناها إلى لحظات الخلق والابتكار والإضافة.
ومن غير مراء أو جدل يمكن القول أن الجيل الثوري كان جيلا مجتهدا أخطأ وأصاب شأنه شأن كل الاجيال في كل مراحل التاريخ وميزته الكبرى أنه آمن بقضيته فانتصر لها وكانت تضحياته تتوازى مع سمو الغايات التي كان ينشدها لذلك فنحن نكبر هذا الجيل ونجله ونعترف له بالفضل وهذا الإكبار والإجلال لا يعني بحال من الأحوال أن نتمحور حول ذاك الجيل ونستضيء بمصابيحه التي أتى عليها الزمن وتجاوزها الراهن الحضاري الجديد لأن الثورة تجدد دائم يهدف إلى الارتقاء ونشدان المثل والعمران لا النكوص والثبات والتقديس الذي يختزل في خطابنا في تجسيد الراهن.
إن الثورة فعل تطهيري وعليها أن تظل كذلك بعيدا عن امراض الذات والادعاءات الكاذبة التي تتوالى بين الفينة والأخرى على شكل كتب ومذكرات وحلقات في الصحافة السيارة ذلك أن التاريخ في منهجيته العلمية الحديثة والموضوعية لن يرحم المتقولين والادعياء وسيعيد الأمور إلى منابعها الأصلية مهما طال به الزمن كما أنها ليست رقصة شعبية أو مزمارا نحاول تكراره في كل عام بل فكرة وسلوكا والفكرة لا بد لها من التشطي ومسايرة النسق الحضاري الجديد.
ولعله من المناسب القول أن المبالغ المرصودة لحفلات الرقص والمزمار الشعبي تذهب هباء دون أن تترك أثرا في الحاضر والمستقبل لذا فقد اصبح من الضروري اعادة النظر في تلك المناسبات بحيث تتحول إلى مهرجان ثقافي ثوري يحاول اعادة انتاج القيم الثورية التي تجتاز الراهن إلى المستقبل وتعيد الاعتبار للثورة وذلك عن طريق انتاج مسلسل درامي أو فيلم وثائقي أو الانفاق على بحث علمي وطبعه وتفعيل دور المسرح في الاتصال مع الجماهير حينها فقط تعود للفكرة نكهتها الخاصة ويعود للثورة بريقها المفقود بين ايقاع الطبول ولعبة الراقصين.