تعز قلب الثورات
أ.د/ عبدالله أحمد الذيفاني
كانت تعز وما تزال قلب الثورات وموطن التغيير فالتاريخ الحديث والعاصر يحكي هذه الحقيقة ويؤكدها بشواهد ومسارات منها كانت تعز الحاضنة الأولى للتنوير وكانت المدرسة الأولى التي استوعبت ومارست إعداد الناشئة للمستقبل الأمثل باعتمادها نظاما تعليميا افترق مع النظام الرسمي للحكم الإمامي في الشمال والاحتلال البريطاني في الجنوب فكان لأبناء تعز في مستعمرة عدن أندية وجمعيات ثقافية وقروية اهتمت بالتعليم والتنوير فكانت البيئات الأولى للثورة باحتضانها الناشئة وتوفير فرص لهم في التحصيل الدراسي وكسب الرزق والعودة إلى الداخل الشمالي لأداء دورهم في التدريس وتكوين وعي رافض للاستبداد وكانت أندية الأغابرة والأعروق والأعبوس والجمعيات القروية لأبناء شرجب وبني عمر وغيرهم من أهم تلك الأطر الأهلية التي أسهمت في عملية التنوير والتثوير على حد سواء وكان نادي الأعبوس أكثرها بروزا في هذا المضمار الذي بنى أول مدرسة حديثة في الشمال في منتصف الخمسينيات ومعه نادي الأغابرة والأعروق الذي أوفد أول بعثة طلابية من أبنائه إلى القاهرة عبر الاتحاد اليمني في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي..
وعلى المستوى الداخلي لتعز شهدت تحولات نوعية مهمة على المسار التنويري التعليمي بافتتاح مدرستين في كل من حيفان وذبحان في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي وكان الرائد الأول لهذا التحول القاضي عبد الله عبد الإله الأغبري الذي يرجع إليه الفضل بإنشاء وإدارة مدرسة حيفان ثم كان له الفضل في إقناع الأستاذ النعمان بالتحول كما جاء ذلك في مذكراته…. واضطلع الأستاذ محمد أحمد حيدرة بدور معهم في هذا التحول وتحديدا في مدرسة ذبحان وكان للشيخ عبد الله الحكيمي دوره المهم في تأسيس مدرسة في قريته.
ولتأثير دور الثلاثة الرواد الأغبري والنعمان وحيدرة قام الإمام بنقلهم من قراهم إلى المدينة وتعيينهم في وظائف إشرافية وتعيين القاضي عبد الله عبد الإله الأغبري عاملا ليبعدهم جميعا عن العمل الميداني الذي بدأ يأتي أكله..
كما احتضنت تعز أول منتدى لأول نواة من رجال الأحرار حاولت التأثير على ولي العهد وإقناعه بالتغيير وتشكلت النواة من النعمان والزبيري والموشكي والشامي والحضراني والفسيل والعنسي وغيرهم ولما وصلوا معه إلى طريق مسدود شدوا الرحال إلى عدن وأسسوا حزب الأحرار اليمني عام 1944م والذي مثل النواة الأولى للثورات المتتالية 1948م إلى ثورة 1962م
والثابت تاريخيا أن أبناء تعز في عدن وفي تعز إلى جانب أحرار اليمن من طلائع الأحرار الأولى كانوا العقل والظهر والسند لكل حركة تنويرية ثورية تغييرية فكانت تعز موطن التحضير للتغيير الأول في مطلع الأربعينيات وكانت الحاضنة والمدد للثورة الدستورية عام 1948م وكانت موطن حركة 1955م وكان من المفترض أن تكون موطن الثورة الكبرى سبتمبر لولا مشيئة الله المتمثلة بوفاة الإمام أحمد وانتقال السلطة لنجله البدر المقيم في صنعاء الأمر الذي أجبر الضباط الأحرار على تفجير الثورة بصنعاء بعد خطاب البدر وتوعده بالأحرار ورجال التغيير.
واللافت للانتباه أن المهاجرين من أبناء تعز في مهاجرهم كانوا سندا قويا لمحطات التنوير والتغيير وصولا إلى الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وعلى نفس الصعيد أسهم رجال المال والأعمال في هذا الحراك وكانوا رموزا محورية فيه منهم عبد العزيز الحروي وجازم الحروي عبد القادر علوان وشعلان والأسودي وغيرهم ومنهم أيضا عبد الغني مطهر وعلي محمد سعيد وأحمد ناجي العديني وغيرهم…
كان لتعز وأبنائها حضورا في مقاومة الاحتلال البريطاني في دوائر التنوير وبناء المدارس وعبر العمل النقابي ثم العمل الفدائي والانخراط في التكوينات السياسية وقائمة الذين اشتركوا في هذه العمليات طويلة ومن أبرزها عبد الفتاح إسماعيل ومحمد عبده نعمان وغيرهما..
تواصل دور تعز بعد الثورة السبتمبرية المباركة في تحرير الجنوب فكانت الحاضن والحامي للفدائيين الذين اتخذوا من تعز موطنا لهم يحتمون به وينطلقون منه في عملياتهم الفدائية…
وظلت تعز تحمل رحم الثورة وتعمل على نحو دائم لتحقيق التغيير ومقاومة الاستبداد والفساد فكانت معملا منتجا لقوى سياسية واجتماعية سعت إلى إحداث التغيير من وقت إلى آخر وامتلأت السجون برموز مهمة من تعز في أكثر من محافظة من محافظات الجمهورية قبل الوحدة. وبعد إعادة تحقيق الوحدة كانت تعز هي المحافظة الأولى التي انتفضت ضد الاستبداد فخرجت في ديسمبر 1992م وتشكل المؤتمر الجماهيري ثم تتابعت الإرهاصات في مطلع ال