ما أشبه الليلة بالبارحة (1-2)
جمال عبدالحميد عبدالمغني
* من ينظر إلى واقعنا العربي الممزق والمهترئ اليوم ومنذ فاجعة حرب الخليج عام 1990م على الأقل عقب الخطأ الفادح الذي أرتكبه الراحل صدام حسين بالتأكيد ستعود به الذاكرة إلى عصر الانحطاط العربي المريع الذي بلغ ذروته بعد فترة من بداية الحقبة التاريخية المأساوية التي عاشتها الأمة العربية والإسلامية وأقصد العصر العباسي الثاني بدءا من عهد الخليفة المستعصم وما تلاه من حكم خلفاء الترهل والضعف والميوعة إن جاز التعبير.
* بداية الكوارث كانت في عهد المستعصم الذي اشتهر بممارسة هواية غريبة وهي تربية الحمام وإضاعة معظم وقته ووقت الأمة باللعب معها ليس في منزله الخاص ولكن في ديوان الحكم ومقر الخلافة وكان يرفض أحيانا الاستجابة لوزرائه وقادة جيشه إذا دخلوا عليه أثناء ممارسة تلك الهواية حتى لو كان دخولهم عليه أثناء ممارسة تلك الهواية حتى لو كان دخولهم عليه لأمور هامة تتعلق بأمن الأمة وسلامة حدودها وكان الشيء الأهم عنده هو كيفية اكتظاظ خزائن بيت مال المسلمين بالأموال الطائلة والتي كانت فعلا قد عجزت الخزائن عن استيعابها طبعا لأنه كان يعتبرها ملكه ويعتبر أن ما يفيض عن الإنفاق السنوي هو حلالا دلالا له وكذلك كان يحرص على الاستماع والإصغاء لأي نصائح من مستشاريه إذا كانت ستصب في مصلحة ترشيد الإنفاق أو تخفيفه بغض النظر عن النتيجة الحتمية لهذا الترشيد حتى لو تعلق الأمر بمخاطر متوقعة لعملية الترشيد.
* وكان أحد قرارات المستعصم وأخطرها ضمن سياسة الطمع وحب المال قد أدى إلى تقويض حكمه وسقوط دولته وإهانة كرامته وكرامة أسرته وفقدان حياته باذلال غير مسبوق واجتياز المغول لأجزاء كبيرة من الأمة الإسلامية وفي مقدمتها حاضرة العالم آنذاك وعاصمة الخلافة «بغداد» واستحواذ التيار على تلك الخزائن المكتظة بالأموال بعد تدمير بغداد وقتل ما يقارب من مليون مسلم وعربي وحكاية ذلك القرار أن وزير المستعصم الأول “ابن العلقمي” أراد أن يضعف خصمه المخلص للخلافة والأمة مجاهد الدين فزين للخليفة فكرة تقليص جيش الخلافة من 100.000 مقاتل إلى 10.000 مقاتل وعندما عارض رجال الدولة المخلصين وفي مقدمتهم قايد الجيش مجاهد الدين فكرة التقليص معللين رأيهم بأن خطر التتار ما زال قائما بعد أن صرف هولاكو النظر عن غزو أوروبا رد عليهم الخليفة كم يبلغ عدد جيش التتار فقالوا له 10.000 أو تريدون قليلا ولكنهم على أعلى درجة من التدريب ويمتلكون أسلحة لا يمتلكها جيش الخلافة فرد عليهم بإنفاذ قرار التقليص بعد أن حسب هو وابن العلقمي المال الذي سيوفرونه وحدث ما حدث واجتاح التتار بقيادة هولاكو كل المعاقل العربية في الطريق إلى بغداد وكان العملاء وأنصاف الرجال أمثال الخائن أبن العلقمي يستقبلون هولاكو ويقدمون له الولاء والطاعة ويلتزمون بدفع الجزية التي يحددها مقابل أن يبقيهم في كراسيهم بل ويقدمون له أي عدد من جنودهم لمساعدته على غزو مقر الخلافة الإسلامية بغداد ومضى هولاكو بمساعدة العرب والمسلمين الخونة نحو بغداد.. وللحديث بقية.