أبناؤنا في أعناقكم
جميل مفرح
> ربما لن أقول جديدا حين أطرح قضية التعليم أو بالأصح قضاياه وضرورة النأي بالعملية التربوية والتعليمية عن أي شكل من أشكال العمل السياسي البحت وحسابات السياسة ربما موضوع ليس للمرة الأولى يتم طرحه ومناقشته ولكن أعتقد أن التكرار والإعادة في موضوع كهذا ملزمة وضرورية من قبل العامة والخاصة باعتبار أن العملية التربوية والتعليمية تكاد تكون القضية الأكثر ارتباطا مباشرة بكل مواطن وكل مؤسسة أو تكوين اجتماعي أو ثقافي أو تنموي.. إن ربط العملية التربوية والتعليمية بصورة من صور العمل السياسي يكاد يكون كارثة كبرى ولا يمكن أن نرجو مكسبا أو نحقق مطلبا إيجابيا مادام ذلك الربط كائنا.
> قبل أيام قليلة وقعت تحت يدي مجلة حائطية مدرسية أعدها مجموعة من طلاب الصف الثاني الثانوي بمدرسة ما وتحت إشراف معلم وقد كانت هذه المجلة مزدحمة بصور جرحى ومتظاهرين يحملون لافتات سياسية بحتة وجاء في محتوى هذه المجلة كتابات وفقرات سياسية تحريضية أبعد ما تكون عن اهتمام طالب مدرسي وحتى عن مستوى فكره وتفكيره.. وصباح الأمس أصرت الصدفة أن ترمي إلى يدي مجلة تربوية صادرة عن نقابة تربوية تعليمية أكثر من نصف محتواها متعلق بتحركات وانتماءات سياسية وكتابات ليس من ورائها أي فائدة قد تعود على التعليم سوى ذات التحامل والتعادي والتواجه السياسي البحت الذي يبدو أن القائمين على المجلة يحاولون تكريسه كهم من هموهم وهموم مهنتهم وتلاميذهم.
> من جانب آخر يصف لي عدد من الأصدقاء العاملين في السلك التربوي ما يجري داخل المؤسسات التعليمية من نزاعات ومعتركات سياسية لا تكتفي بالمكاتب الإدارية وما شابهها بل تصل إلى صفوف الدراسة وتحدث نتيجة لها تعبئات خطيرة للتلاميذ وصلت في حالات كثيرة إلى انقسام التلاميذ وتعاركهم على قضايا وآراء سياسية والأفظع من ذلك أن بعض التربويين بدلا من أن يحذروا الطلبة من مثل تلك التصرفات ويمنعوهم من التناول فيها داخل المدرسة يقومون بالتعصب كل إلى طرف من أطراف النزاع الطلابي لتكبر القضايا وتصل إلى معتركات ليس بين الطلاب وحسب وإنما أيضا بين من كادوا أن يكونوا أنبياء نظرا لجلال قدرهم ومكانتهم.
> في الأخير أعتقد أنني سمعت أن ثمة قوانين تمنع المعلمين وقبلهم التلاميذ من التناول السياسي داخل حياض المدرسة وهذا القانون أو هذه القوانين باعتقادي هي جهد المقل ومع ذلك كم نتمنى أن يلتزم بها كل تربوي وتطبقها كل إدارة مدرسية وأن ندع التلاميذ يعيشون حياتهم التربوية المفترضة كما يجب وكما يليق بمكانة هذه العملية التي تكاد تكون مقدسة.. فالسكوت والتجاوز عن مثل ذلك عمل كارثي وخطير على تلاميذنا في حاضرهم وربما مستقبلهم ومتى سيفهم معلمونا الأناضل أن حرية الانتماء السياسي والتعبير عن الآراء السياسية لم تكن ولن تكون حقا مطلقا فله موانع واشتراطات يتقدمها أهمية أولوية الابتعاد به عن مؤسساتنا التربوية والتعليمية.
> وعلينا أن ندرك أنه إذا استمر الوضع كما هو عليه الآن من العبث والإهمال واللا مبالاة خصوصا في هذا الموضوع الخطير فإن علينا بالتالي ألا ننتظر تحقيق أي منجز في هذه العملية الحيوية بل أن نتأكد أنها عملية فاشلة ولا اعتقد أن أحدا يجهل معنى فشل العملية التربوية والتعليمية في أي مجتمع من المجتمعات.
أخيرا نعيد ونجدد ونزيد.. رجاء أيها التربويون ثقتنا بكم أكبر بكثير مما تبدونه من اهتمام وجدية في أداء مهنتكم.. إننا نسلمكم فلذات أكبادنا ونتعامل معكم بمبدأ الشراكة في تربيتهم وتعليمهم وعليه فإن عليكم أن تحفظوا تلك الأمانات الثمينة من أي أذى ولا أعتقد أن هناك أذى أسوأ من السياسة والتناول السياسي في هذه المرحلة السنية الهامة في تكوين شخصياتهم وتغذية رصيدهم العلمي والثقافي.. والله من وراء المراد