صدمة الجذام الحلقة الواحد والثلاثين
د. ياسين عبدالعليم القباطي

أذهلني ظهور حارس الذرة وزاد خوفي عندما نهرني وكنت بمخبأي بين الزرع في حالة يرثى لها من الحزن والاكتئاب بعد الصدمة التي أصابتني نتيجة لقسوة وجلافة الطبيب الروسي في المستشفى الجمهوري حين شخص مرضي بأنه الجذام وقفت بين سنابل الذرة مخاطبا القبيلي (( أنا لست هنا لأسرق الذرة بل لأختبئ من أخي الذي يريد إعادتي للمستشفى )) أقتنع القبيلي بكلامي بعد أن أطمئن على أن الذرة لم تمس وأخرجني من حقل الذرة لأشاهد أخي عبدالولي أمامي في طرف حقل الذرة يبحث عني . لم أعد كلفا بتشخيص مرضي ولا علاجه بعد صدمة الجذام التي أصابتني في المستشفى الجمهوري وعدنا الى دكاننا بيتنا في القاع وجمعنا ثيابنا في شنطة حديد وأستعدينا للسفر الى بيت أبو حسن في آنس.
كان كل شيء متوتر في المدينة قوات الحرس الوطني مختلطة ما بين مدنين أتو من مدن الجنوب وجيش شعبي من قبائل خولان والحدا وأنس وبرط وحاشد لم تكن الألوية العسكرية بكامل معداتها وفرقها وعددها فقد كان لواء العروبة أكبر لواء في الجيش الجمهوري لايتعدى عدد أفراده 300 عسكري أما ألوية الصاعقة والمظلات وهي ألوية مقاتلة شرسة لا يتعدى عدد جنودها 400-500 مقاتل ولكن قيادة عبالرقيب عبدالوهاب وشجاعته في إتخاذ القرار هي التي أعطت لهاتين اللوائين شهرة ورغم قلة عدد وعدة الجيش الجمهوري فقد كانت القوات الملكية تتمتع بفائض عددي وعسكري وكانت تقف خلف تمويلها بالمال والسلاح ثلاث دول غنية هي السعودية وإيران وبريطانيا وكان ذلك الدعم السعودي سبب في الانعاش المستمر لطموح أسرة حميد الدين في استعادة عرشهم وإستماتة إبراهيم الوزير قائد اتحاد القوى الشعبية لشق صف الجمهوريين وتمزيق وحدتهم لتنصيب نفسه إماما على مسماه ” دولة اليمن ” بدلا من الجمهورية. غير إن الصراع بين المرتزقة الأوربيين والإيرانيين وجنودهم من القبائل المغرر كان يفتقد للروح المعنوية التي كانت مرتفعة لدى الجمهوريين ودافعا للتضحية بالنفس في سبيل الوطن بينما المرتزقة الملكيين يسعون وراء المال والسلاح.
في اليوم الثاني بدأنا بالبحث عن سيارة لنقلنا الى انس كنا نشاهد سيارات اللندروفر محملة بالمدافع وسيارات النقل الكبيرة محملة بالجنود كل تلك العربات كانت ملكية خاصة للمواطنين يأخذها الجيش الجمهوري عنوة مع سائقيها للمساهمة في المجهود الحربي استعدادا للدفاع عن صنعاء من هجوم ملكي وشيك. وأخيرا تمكنا من العثور على حافلة تنقل الجنود إلى قريتنا فسافرت أنا و أخي إلى معبر ومن هناك ركبنا مع سيارة متجهة الى الحديدة عبر حمام علي فقد كانت طريق صنعاء الحديدة منطقة قتال وعندما وصلنا القرية وجدنا أحوال سيئة ووضع حزين فقد ماتت خالتي التي كانت تقوم برعايتنا خلال هذه الفترة و زوجة أخي الآخر تعاني مرض وبيلا طوالا العام .
وفي أنس عرفنا ان عمي ناصر رجع مع مجموعة من الملكيين الذين رافقوه إلى السعودية كانت الفترة التي قضاها في جبهة القتال مع الملكيين ثلاث سنوات من 1963- 1966م كان بصحبة عمي عند عودته رفيقي في السفر ابن عمي محمد ناصر وأعمامي من بيت ابو حسن وابن عمي الشيخ صالح علي ابوحسن وصلوا البلاد يحملون ماحصلوا عليه من السلاح والذهب استمر عمي في إجازته ثلاثة أشهر وكانت الأنباء تتوارد اليهم بسيطرة القوات الملكية على مناطق كثيرة خارج المدن بل لقد أصبح الملكيون يدكون أسوار العاصمة صنعاء بمدافع امريكية مطورة وصلت قذائفها إلى القصر الجمهوري وإذاعة صنعاء وبلغ الخوف من سقوط صنعاء بحيث صار المذيع من تعز يقول هنا صنعاء إذاعة الجمهورية وأنتشرت الإشاعات بان مقر قيادة القوات الملكية قد أصبح في منطقة وارقة وفي بيت بوس بجانب الصافية بقيادة اللواء الملكي محمد عبدالله شردة وخبرة المرتزق البريطاني ديفيد سمايلي.
لم يصبر عمي على طول البقاء في آنس فقرر الرحيل الى صنعاء بصحبة النقيب يحي احمد جعدان من قرية شهدان وصل عمي الى مقر قيادة الملكية وكان الامير محمد بن الحسين بن يحيى حميد الدين متواجدا في مقر قيادة الملكيين قرب صنعاء ومعه الفريق قاسم سقل الذي كان قائد القوات الليلية في آنس ثم صار قائدا للقوات الملكية في الجبهة الجنوبية المحاصرة لصنعاء وطلب عمي من الامير محمد عمل يليق به كشيخ كافح وناضل مع القوات الملكية فأصدر الامير محمد بن الحسين قرارا بتعيين عمي في منصب رفيع والنقيب يحيى جعدان نائبا له ووجه الى السيد عبد الملك الحملي بتسهيل مهمته وتفويضه الصلاحيات واقالة المسؤول السابق ابن كعلان الذي حصلت منه شك
