تعزيز وترسيخ الثقافة الاقتصادية التنموية السليمة
د/طه أحمد الفسيل
تشكل منظومة القيم والثقافة الاقتصادية الموجهة للسلوك الاقتصادي والاجتماعي لأي مجتمع أو دولة عاملا مهما في تحديد مسار اقتصادها وقدرته على تحقيق التطور والتقدم وعلى مواجهة الأزمات التي يمكن أن يتعرض لها سواء كانت ناجمة عن عوامل داخلية أو كانت بسبب تأثيرات اقتصادية خارجية. وكان لصعود اليابان الاقتصادي أثر على انتشار مفهوم الثقافة الاقتصادية التي تتشكل من مجموعة المعتقدات والمواقف والقيم المؤثرة على الأنشطة الاقتصادية للأفراد والمنظومات والمؤسسات . مثل قيم العمل الشاق والانضباط الذاتي والمبادرة والادخار والتعلم والإنتاجية كأساس للتنافسية .
وتشير المؤشرات الاقتصادية والتنموية إلى أن الاقتصاد اليمني يعاني من اختلال هيكلي أساسي يتمثل في اعتماد الاقتصاد اليمني بصورة أساسية على إنتاج النفط الخام وتصديره (إلى جانب تصدير الغاز الطبيعي حاليا) وكذلك من اختلالات اقتصادية عديدة مثل ضعـف وتدني بنية القطاعات الانتاجية الحقيقة التي تشكل المرتكز الحقيقي لضمان استدامة النمو الاقتصادي وارتفاع معدلاته بما يساهم في تحسين مستوى دخول الأفراد وخلق فرص عمل جديدة وذلك لصالح القطاعات الريعية والخدمية غير الانتاجية بصورة عامة. بالإضافة إلى ضعف وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي وتباين أداء الموازنة العامة والاختلالات في تجارة اليمن الخارجية وفي مكونات وعناصر ميزان المدفوعات. ورغم أهمية العوامل والاسباب الرئيسية الموضوعية الداخلية والخارجية (اقتصادية سياسية وإدارية) في حدوث وتعميق هذه الاختلالات هناك أيضا عامل وسبب آخر لا يقل أهمية يتمثل في تدني وضعف الثقافة الاقتصادية التنموية السليمة والصحيحة التي انعكست بآثارها السلبية على أداء الاقتصاد اليمني وعمقت من اختلالاته العديدة.
فالثقافة الاقتصادية السائدة في المجتمع اليمني تتسم بأنها ثقافة تقليدية استهلاكية وريعية وبالتالي فهي ثقافة غير فاعلة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية في بلادنا. فإلى جانب سيادة ثقافة الريع وثقافة الربح من دون عمل يميل اليمنيون عامة إلى الاستهلاك وبصورة اكبر واكثر من ميلهم للإنتاج والادخار حيث تسود مظاهر ثقافة الاستهلاك البذخي والتفاخري غير المنتج ليس بين أوساط رجال الأعمال والقطاع الخاص ومن لهم سلطة في الدولة وكبار موظفيها فحسب وإنما ايضا في النفقات العامة من الموازنة العامة للدولة.
وقد اتسعت ثقافة الريع إلى مختلف المجالات فظهرت ثقافة “ريع المنصب” و”ريع الوظيفة العامة” وكذلك “ريع الوجاهة الاجتماعية” ليختلط الجاه السياسي بالأعمال والمقاولات التجارية. وتؤثر سيادة ثقافة الريع -وما ينتج عنها من دخول ريعية ناتجة عن الاملاك والثروة غير المكتسبة من الإنتاج والعمل الحقيقي وإنما من الجاه المتصل بذلك- تأثيرا سلبيا كبيرا في توجيه الفوائض الاقتصادية الناجمة عن تلك الدخول نحو الاستهلاك والانفاق الترفي وفي أحسن الأحوال نحو الاستثمار العقيم. كما يتجلى ذلك في بناء الاصول العقارية التفاخرية والاستثمار غير المنتج. وكل ذلك لا يكون له اثر يذكر في بناء القدرات الانتاجية والتنافسية للاقتصاد الوطني ومن ثم في النمو الاقتصادي السليم وفي عدم تحقيق أهداف خطط التنمية. كذلك تؤدي سيادة ثقافة الريع إلى الهدر الاقتصادي الخاص والعام والقضاء على كل حوافز العمل المنتج الجاد.
وترتبط ثقافة الريع والربح من دون عمل بثقافة الاستحواذ على السلطة والثروة في المجتمع اليمني بحيث اتسعت ظاهرة التاجر الموظف فارتبط الجاه والمال والبيزنس بالسلطة .وتزامن ذلك بتراجع قيمة العدالة الاجتماعيةوبالتالي تزايد الفوارق بين الفئات والطبقات الاجتماعية. ذلك انه إذا كان توزيع الدخل في أي بلد يتحدد من خلال نظم الأجور والتشغيل والضرائب والتحويلات والدعم السلعي ودعم الخدمات العامة فإن هذا التوزيع تدهور كثيرا بسبب تبني الحكومات اليمنية المتعاقبة سياسات اقتصادية واجتماعية أضرت بالفقراء وذوو الدخل المحدود. وكان لغياب لقيمة العدل الاجتماعي تأثير سلبي كبير في الطلب الفعال المحفز للاستثمارات والنمو في الاقتصاد اليمني نظرا لانخفاض حصة الشرائح الدنيا من الدخل. فالفقراء وذوي الدخل المحدود ليس لديهم ترف الادخار وبالتالي فهم يحولون دخولهم إلى طلب فعال على السلع والخدمات بما يحفز المستثمرين على إنشاء مشروعات جديدة لمواجهة هذا الطلب الفعال وهذه المشروعات تقوم بتشغيل عاملين جدد لهم طلب فعال أيضا على السلع والخدمات بصورة تحفز المستثمرين على بناء مشروعات جديدة.
كذلك أدت سيادة ثقافة القطيع في السوق اليمنية إلى ت