التصوف والفلسفة

محمد صالح الحاضري


 -  إن التصوف في اليونانية القديمة يعني الحكمة وواضح أنه تعريف فلسفي ينسجم مع مفهوم الظاهرة العالمية الذي هو مفهوم الحقيقة وذلك لأنه عند إسقاط الديانات للحقيقة على الحالة الصوفية الدينية
محمد صالح الحاضري –

إن التصوف في اليونانية القديمة يعني الحكمة وواضح أنه تعريف فلسفي ينسجم مع مفهوم الظاهرة العالمية الذي هو مفهوم الحقيقة وذلك لأنه عند إسقاط الديانات للحقيقة على الحالة الصوفية الدينية تصبح الشريعة الدينية حالة مضافة إلى الحقيقة هي حالة الخصوصية الدينية أمام عالمية الحقيقة فنلاحظ أن التصوف الديني يتوقف عند حدود الوصول إلى الحقيقة فلا يصبح بعدها الواصل إلى الحقيقة صوفيا مثلما كان قبل عملية الوصول وذلك باعتبار التصوف وسيلة للوصول إلى الغاية الحقيقة واعتقد أن الفلسفة نشأت عن هذا الجدل بين الوسيلة والغاية فيتم تعريف الفيلسوف الواصل إلى الحقيقة بأن وصوله نتج عن تطور شخصي ومستقبلي حسب توضيح شيلنج لما قيل عن تأثر هيجل به بأنه غير صحيح وأن تطور هيجل شخصي ومستقل.
إن التصوف بمفهوم الشفافية يندرج أيضا في خانة الجواب الصحيح على سؤال التطور الفكري هذا في إطار التصوف كان اشترك فيه الأب وغسطينور قائلا بأنه يكفي ممارسة أعلى الفضائل وتسمى في الفكر الديني عمل الصالحات وفي الحقيقة الذكر الديني ضروري فيقدر الصوفي التحليق عبر اسم الله المفرد بالإضافة إلى ممارسة أعلى الفضائل أو عمل الصاحات باعتبارها جانب الممارسة الموضوعية حتى يكتمل شكل جدل الذات والموضوع في العملية.
كذلك يؤدي الصدق وظيفة مركزية في عملية الوصول إلى الحقيقة باعتبار الصدق هو حقيقة قولية في حالة جدل موضوعي متصاعد داخل جدل الحقيقة الموضوعية وصولا إلى الحق.
نلاحظ في التصوف الافلوطيني أن اسم المتصوف هو المريد في مرحلة التدريب على الوصول وهو نفس الاصطلاح المستعمل في التصوف الإسلامي والأفلوطيني سابق زمنيا على التصوف الإسلامي وكذلك التصوف الهندوكي سابق على التصوف الاسلامي فيسمى الصوفي هناك بالفقير وهو نفس اسمه في التصوف الإسلامي وذلك لأن مفهوم الظاهرة هو الانتشار فتعمم الظاهرة شروطها على كل الحالات وهذا سر المشتركات الاصطلاحية على مستوى الحالات كلل فلا توجد خصوصية وإنما ينعكس التعصب القومي والديني على الحالة فلا يروقها القول بأن ما عندها هو نفس ما عند غيرها وأن جميع الحالات ما هي إلا مجموع الظاهرة العامة العالمية للتصوف.
لقد انتهى ولتراستيس من شروحاته للفلسفة الهيجيلة إلى اكتشاف العلاقة بين التصوف والدين والفلسفة وصولا إلى الحداثة وفي الواقع الحقيقة هي مفهوم مرجعية الروح للدين والفلسفة كما يجب ملاحظة أن الحقيقة هي عملية اشراقية لا تتم دراستها نظريا بل خوضها على شكل تجربة معرفية ومعرفتها اشراقيا من داخل منهجها الخاص فلا أحد يقدر يعرض الحقيقة مثلما تعرض هي ذاتها بمعنى أنها تشرق على الروح الإنساني كشكل لعلاقة قائمة بينه وبين الروح الألهي.
إن التصوف العربي الإسلامي اسهم في التطور التاريخي للوعي لكن ذلك انتهى إلى استلام الفلسفة الاوروبية الحديثة زمام المبادرة بعدما كان التصوف الإسلامي والتصوف المسيحي يسمى الحقيقة السر الألهي وبمنع كشفها فجاءت الفلسفة واشتغلت على الحقيقة وكشفتها فانتقلت من طور السرية إلى طور العلنية مقدمة لإحداث التطور المادي الحاسم على أساس جدل الحقيقة الموضوعية بينما العرفان الصوفي الإسلامي والمسيحي اشتغل على الحقيقة العرفانية واتيح أرقى اشكال الحب الألهي قبل أن يتجلى الفارق بين التصوف والفلسفة في صورة تطور أسلوب عرض الحقيقة فكان يعرضها محيي الدين ابن عربي في كتب الواحد منها يتكون احيانا من عشرة أجزاء قبل أن يجي ديكارت وجان جاك روسو ومتتسكيو وسينوزا وكانط وهيجل ويعرض الواحد منهم الحقيقة في عدة كتب حجمها يساوي حجم كتاب واحد من كتب ابن عربي وذلك هو مفهوم تطور اسلوب عرض الفكرة بأقل حجم فتكاد بعض كتب هيجل أن تكون كتب جيب ولا يصل عدد كتبه إلى العشرة بينما كتب ابن عربي تحتاج إلى سيارة لحملها والواقع أن أسس التطور الفلسفي في الشرق الإسلامي كانت ممكنة لو اجتمع الفكر الصوفي والمعتزلي في مشترك كان تنبه له ابن سيناء في طرحه للحقيقة البرهانية وهو تعريف للحقيقة الموضوعية في زمنه تحكم فيه مستوى تطور اللغة الاصطلاحية قبل أن تنتقل المبادرة إلى شكل المركزية الأوروبية ومشاركة شروحات ابن رشد الأرسطية فيها.

قد يعجبك ايضا