تنازل



بلقيس أحمد الكبسي
هل كنت أنانيا.. أم جبانا ومتخاذلا ..¿ عندما قررت بيعها .. أعلم أنها كل حياتي .. نبضات قلبي .. حنيني وجعي وحرقتي .. دائي ودوائي .. جنتي وناري .. فكيف لي أن أبيعها بهذه السهولة لا أدري ما أصابني حتى تخليت عنها .. ¿ هي محبوبتي الأقرب إلي بلا منافس من قال أن المحب يبيع محبوبته ..¿ هل أنا من فعل ذلك ..¿
نعم أنا فعلتها عندما عرض علي ذلك المبلغ الذي تسمرت عيناي أمام بريقه فتداعت أركاني للانهيار. لست أنا الملوم بل تلك الضائقة المالية الملعونة التي أطبقت على خناقي لم احتمل عسرها ولم أتجلد أو اقتات بصيص من صبر وبلا جدوى أزمتي الخانقة لم تترك لي سوى خيارين لا ثالث لهما الحياة أو الموت فاخترت الحياة عندها تهاويت للسقوط وانزلقت كجبل ثلجي في يوم صيفي حار وما إن هززت رأسي بالموافقة حتى انقض عليها سلبها مني ولم يعطني فرصة لانتزعها من روحي وأسلمها إياه بلا مقاومة مني أو رحمة ورأفة منه وبلا تأنيب ضمير نهشها مني ولعابه يقطر وعيناه تكاد تقفزان من محجريهما .
امتدت يدي إلى الرزم المتراصة أمامي والعملات النقدية فئة الألف ريال والتي تقاضيتها ثمنا لها أخذتها وعيني تذرفان الحسرة وقلبي يعتصر ألما كيف لي أن أبيعها بهذه السهولة ..¿ هي قطعة من قلبي الذي كان وما زال مسكنها والحشا فبأي قسوة لا نظير لجرمها تخليت عنها..¿ وتركتها لغيري يعبث بها وينسبها لنفسه هي مني وأنا منها كل جزء فيها يشهد لي بعشق وحب بألم وأمل بفرح وحزن .. بسكون وثورة .. بحلم وغضب .. أنين وآهات .. هي مسكني والوطن أصبحت بعدها بلا مأوى أو هوية .
هي لم تكن لأحد سواي .. هي لي أنا .. أنا وحدي كم من ليال تسامرت معها ..¿ ولحظات ألم وشوق وحنين وشبق شهدت لي بها كنت أجلس وحيدا لأيام وليال وهي من كانت تؤنس وحدتي وتخفف عني ألمي وتسطر أحلامي في أوراقي وكأنها فرس جموح تركض أمامي .
لكن صبري نضب ففي لحظة ضعف حاجة وعوز سلبها مني كلا .. بل أنا من وهبتها له برضاي واختياري بعتها بثمن بخس زيف مال مدنس أغرى بريقه عيني اقتطفتها من جذور قلبي انتزعتها انتزاعا ووهبتها لغيري فاستحوذ عليها قطف طيبها واستمتع برونقها بعذوبتها وسلسبيلها وكان له حضوة من سحرها وإبداعها. لن أنساها ما حييت ولن أنسى تأثيرها الفريد من نوعه على فؤادي الكسير فبيني وبينها لغة جد خاصة لا يفهمها سوانا تفهمني وأفهمها تحكي عني وتفصح عما يجول بخاطري .
أنا لا أحكي لها هي التي تحكي عني وتخبر الجميع بما أود إخبارهم به من رمشة تفهمني .. وتتدفق إبداعا .. من همسة .. من لمسة.. من إغفاءة.. من نظرة ولمحة .. أنا وهي تجمعنا لغتنا الخاصة جدا والمشتركة جدا .. جدا .
كنت أسقط مرارا وتكرارا وهي من تعيد لي استقراري وثباتي وتوازني وهي أيضا من تعلمني كيف أنهض من جديد ..¿ وتزرع الأمل في قرارة يأسي وتمنحني التفاؤل بالقادم الجميل الذي قد يبدو بعيدا وربما قريبا جدا وربما قد لا يأتي أبدا .
أعشقها .. أهواها .. هي متنفسي .. ملاذي وملجأي أموت لفقدانها في كل لحظة ألف مرة لم يعد لي حق استرجاعها عندما قررت الرجوع كان الأوان قد فات ولم يعد بإمكاني الاختيار رفاهيته منعت منها لأني منحتها له بإرادتي وأنا بكامل قواي العقلية ووثق ذلك بتحرير عقد اتفاق يتضمن غرامة مالية باهظة لمن يرجع عن الاتفاق أو يخالفه. لكنني طلبت منه أمنية أخيرة رجوته أن يناولني إياها لأملأ عيني منها لاشتم مدادها الذي كتبته بدمي .. لاحتضنها .. لأغفو معها إغفاءة وداع أخيرة لكنه لم يمنحني تلك الأمنية .. ألححت عليه بإصرار وأردفت راجيا مستعطفا :
– المحكوم عليه بالإعدام يمنح أمنية أخيرة فعدني أحدهم وامنحني هذه الأمنية قبل أن تنفذ في عقوبة الإعدام . شزرني بنظرة اشمئزاز وأردف بنفور:
(روح العب بعيد يا شاطر) هي أصبحت لي وحدي ولا شريك لي فيها أما أنت فقد تقاضيت ثمنا باهظا مقابلها لذا لا تحلم حتى ولو في مناماتك بأني سأعيدها إليك ولو كدحت عمرك كله فلن تستطيع جمع نزر يسير من المال الذي تقاضيته احمد ربك على النعمة التي أنعمت بها عليك وإياك ثم إياك ..!! أن تتفوه بكلمة واحدة قبل أن تفكر في ذلك عليك أن تتذكر الغرامة المالية التي وقعت علي تكبدها .. لا تنس أن عاقبتك ستكون وخيمة وسأرفع عليك قضية تشهير ثم لا أدلة بيدك تقاضيني بها هيا انصرف من أمامي قبل أن أسلط عليك أعواني ليجروك جرا ويرمون بك خارجا .
صرخت في وجهه غاضبا كغريق يلفظ أنفاسه الأخيرة :
لا وألف لا .. لن تكون لك هي لي أنا صاحبها وما أنت إلا … قاطعني باشمئزاز :
قد يعجبك ايضا