الكوميديا البشرية في قصص مونتيروسو
–
• أصدر مشروع “كلمة” للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة كتابا جديدا بعنوان: ” الأعمال الكاملة و قصص أخرى” للكاتب الغواتيمالي أوغستو مونتيروسو. ونقلته إلى العربية عن الإسبانية المترجمة نهى أبوعرقوب.
يعد الكتاب واحدا من كلاسيكيات القصة القصيرة الحديثة في القرن العشرين. وقد ضمن لمؤلفه مكانة مرموقة بين كبار كتاب القصة في أمريكا اللاتينية إلى جانب كل من خورخي بورخيس و خوليو كورتاثار وخوان رولفو وجعل منه رائدا لما يعرف بالقصة المينيمالية أو القصيرة جدا. ففي كتابه الأول هذا و الذي حمل عنوانا يؤكد سمة أساسية في عالمه القصصي ألا وهي المفارقة التهكمية تتجلى السمات الكبرى التي ستميز مجمل أعماله ومسيرته الأدبية اللاحقة: خيال جامح غذته قراءات أدبية معمقة وبالغة التنوع ( من الأدب الإغريقي واللاتيني إلى كتاب الحداثة الأثيرين لديه: جويس بروست كافكا وفولكنر مرورا بأدب العصر الذهبي في اسبانيا) وتجربة حياتية واسعة الغنى ومزج ذكي ولامع بين الجدية العميقة والسخرية اللاذعة ثم قدرة كبيرة على توظيف المحاكاة الساخرة لنصوص كلاسيكية ومرجعيات أدبية وأسطورية راسخة في سبيل نقد النزعة الأكاديمية و التعبيرات النمطية في الكتابة إضافة إلى جرأة كبيرة في نقد الواقع الاجتماعي والسياسي. وذلك كله عبر تقنيات سردية حداثية متنوعة تقوم على التناص والميتا سرد وعلى لغة رصينة محكمة تفيد من تقنيات الحذف والإيجاز.
وإذا كانت السخرية هي السمة الأبرز في رصد مونتيروسو للعديد من مظاهر” الكوميديا البشرية” عبر قصصه فإن هذه السخرية لا تحيل في أي حال من الأحول إلى موقف متعال لمثقف ينظر من برجه العالي إلى ضعف أمثاله من البشر وعثراتهم و أخطائهم وحماقاتهم. فهو الذي انخرط سياسيا وناضل ضد الديكتاتورية في بلاده وعاش جل حياته ومات في منفاه المكسيكي يؤكد في أكثر من موضع أن ما يكتبه ينبع أساسا من شعور عميق بالتعاطف مع البشر ومن الإشفاق عليهم غير مستثن نفسه كما أن الكثير من نصوصه خصوصا تلك التي ينتمي أبطالها إلى عالم الكتابة والأدب كقصته ” الأعمال الكاملة ” التي يختم بها هذه المجموعة تعبر في حقيقتها عن هواجسه الشخصية ككاتب وعن شكوكه وتساؤلاته حول معنى الأدب ووظيفته وعلاقته بالحياة.
في سعيه للتجديد رفض مونتيروسو المفهوم التقليدي للقصة القصيرة الذي كان رائجا بوصفها مادة للاستهلاك السريع تقرأ ثم ترمى فعمل على كتابة قصة لا تستنفذ من قراءة واحدة ولا ترتكز على النهاية المدهشة التي عدها تقنية بالية قصةö حادة مكثفة من أول سطر إلى آخر سطر فيها حيث لا يهم النهاية ولا الحكاية نفسها بل الطريقة التي تروى بها. وحيث السرد تفكيك للتقليد الأدبي وخلط للأجناس يستعصي معه النص المفتوح الذي يجمع التأمل الفكري و الأسطورة والنكتة البلاغية وقصيدة النثر على أي محاولة للتصنيف.
وسيكون من السهل على قارئ “الأعمال الكاملة ( وقصص وأخرى) أن يعثر في بعض نصوص الكتاب على البذور الأولى لهذه النزعة التجريبية لدى مونتيروسو والتي جعلت منه واحدا من أبرز المجددين في الأدب المكتوب بالإسبانية.
يعد المؤلف أوغستو مونتيروسو( 1921 – 2003 ) في نظر الكثير من أدباء أمريكا اللاتينية من أمثال غابرييل غارسيا ماركيز وماريو بارغاس يوسا وإدواردو غاليانو معلما ومجددا في أساليب السرد وتقنياته كما حظيت كتاباته بنجاح نقدي وجماهيري عالميين. ومن أشهر أعماله قصته “الديناصور” ( إحدى قصص الكتاب) التي تعتبر أقصر قصة في الأدب المكتوب بالإسبانية وقد عدها الكاتب الإيطالي ايتالو كالفينو نموذجا مثاليا في الإيجاز السردي. نفي إلى المكسيك بسبب معارضته الشديدة لحكم الديكتاتور أوبيكو عام 1944.أقام في بوليفيا وتشيلي في الخمسينيات ثم عاد وأقام في المكسيك حتى وفاته. نال أرفع الجوائز الأدبية في بلده غواتيمالا( جائزة ميغيل انخل أستورياس عام 1997) و في العالم الناطق بالإسبانية (جائزة أمير أستورياس عام 2000 و جائزة خوان رولفو عام 1998). من أعماله الأخرى: النعجة السوداء و حكايات أخرى 1969 الحركة الدائمة 1972 الكلمة السحرية 1983.
المترجمة نهى أبو عرقوب من مواليد دورا الخليل/فلسطين.حاصلة على درجة البكالوريوس في اللغات الحديثة من جامعة اليرموك- الأردن. تعمل في حقلي التدريس والترجمة. تسهم بترجماتها الأدبية عن اللغتين الإسبانية والفرنسية في عدد من الدوريات والصحف الأردنية والعربية. وقد صدر لها عن كلمة ترجمة كتاب” الكاتب والآخر” عن الإسبانية لكارلوس ليسكانو.