البحث عن “قوانين التشاكل”

صدام الشيباني


صدام الشيباني –

تدخل الأوضاع العربية في العتمة عندما تتهيج المنطقة بالتوترات الداخلية والصراعات السياسية , والحروب , خاصة , إذا كان اغلب ما يحدث من توجس يأتي من صراع المصالح الدولية في المنطقة , ففي كل إقليم مشاكله الخاصة , وتأتي المشاكل في الغالب من محاولة فرض الصوت الواحد على كل مناحي الحياة , ومصادرة حق المختلف في المشاركة .
ويمتاز المجتمع العربي بالتنوع , والتعدد , لاختلاف البيئة العربية , وقدرة هذه البيئة على التفاعل الخلاق مع المتغيرات الثقافية , ففي كل مجتمع أصواته الخاصة النابعة من الحاجة الى التعبير عن الذات , وفي هذا التعبير خطاب يعكس حجم التعامل مع الملفوظات , والإحساس بدلالتها , بما فيه من المقومات السياقية والدلالية . وذلك لوجود العناصر الصوتية والمعجمية في ظل منظومة ثقافية .
لو تصورنا أن المجتمع العربي خطاب يتكون من مجموعة عناصر لرأينا حالة التواتر التراتب بين المكونات , كالتواتر بين الجمل , ولتطلب من المجتمع حالة انسجام توفرها حالة القراءة الفكرية للمجتمع , وأصبح من الضروري قراءة الخطاب وفق تشاكل الوحدات , – أيضا – قراءة المجتمع موحدا وفق آلية التشاكل حتى يتسنى تجميع كل عناصر الاختلاف في مساحة فكرية واحدة تعزز التنوع الثقافي .
فالتشاكل يعتبره جريماس ( التوارد الحشوي والانسجام ) وهو مفهوم ضمن سيميولوجيا السرد , وذلك من أجل الوصول الى الوحدة الدلالية لكل التشاكلات السردية المتباينة , مع وجود الحقل الذي يشتغل فيه . وقد ربطه (راستي ) بالعبارة وإمكانية تحققه بتراكم الوحدات اللغوية الى جانب المقومات السياقية , وهذا يعني ان هناك مساحة يتم تتبعها كي يتم العثور على الرباط المعنوي الذي يتحكم في تشكل الخطاب , وعلى ذلك قس حالة المجتمع , في إقليم عربي ما .
يقاس التشاكل الثقافي على التشاكل الاجتماعي , ويقاس التشاكل الاجتماعي على تشاكل الكائنات الحية في علم الأحياء , ففي الأحياء يتم تتبع الصفات التي تجمع المخلوقات , خاصة الصفات البيولوجية وقدرة الكائنات على التعايش فيما بينها ووسائل الحفاظ على وجودها من العدوان , ففي الخطاب السردي ينظر الى حالة التشاكل المتكونة عن الخطاب , التشاكل بين الذوات في البيئة الواحدة , والتشاكل في صياغة الوحدات لغويا , واستخدام الجمل السردية وتوارد الأحداث , وقوة الأفعال على التوالي وفق المنطق الذي يتصوره الراوي .
وفي الحالة الاجتماعية ينتمي الأفراد الى سياقات ثقافية وأنساق ثقافية بعضها ظاهرة وبعضها مضمرة , لكل فرد له نمط حياة مختلف عن الآخر , وإن كانوا في بيت واحدة , لأن الأبعاد النفسية تختلف من شخص الى آخر , مع وجود بعض التشابهات بين الأفراد , لكن هذا التشابه في الحالة الراهنة لا يؤدي الى قراءة المجتمع وفق تصور موحد , بسبب الاختلاف على المصالح من قبل مراكز القوة .
في التشاكل الثقافي مؤثر بيئي مكاني , فالمكان وحدة اختلاف , تتكون من مجموعة من الاختلافات المتراكمة , عبر التاريخ , تؤثر في عمل الثقافة , هذه الاختلافات لها برنامج عمل يلائم بين الحالات التي لا تقبل التجاور , حتى يكون لها سيرورة تؤدي الى النتيجة المرجوة , ويؤدي التشاكل الى التجانس الذي يوفر الوحدة للحالة الثقافية .
ففي الخطاب تجانس مختلف , وتجانس مؤتلف يؤسس لوحدة الخطاب , وللمجتمع قواه المجانسة والمختلفة , ولابد ان تؤسس للعمل الموحد الذي يحل المشاكل الداخلية العصية على التوحد , حتى يتحول الاختلاف الى طاقة إيجابية تؤسس لمشروع اختلاف فكري يجنب الكثير من الاحتقانات الفكرية ويوقف نزيف الدماء غير المبرر .
يكون التشاكل تنمية عندما تعتمد البرامج الثقافية في الاتجاهات السياسية هذه الآلية لقراءة المستوى الفكري في البلد , بتحقيق الدمج الاجتماعي القائم على التعددية والمساواة والحرية باستيعاب علاقات التجاور والتنافر لكي تصبح ظاهرة يتفاعل معها المحيط , وتتحول الى علامة لها معناها الخاص .
وعلى المستوى الفكري يعمل التشاكل عبر تجميع المقولات التي تشكل أيديولوجيات متنافرة , يعمل على تقريب نقاط التشابه , والاحتمال , يتم فحص المقولات وإعادة تركيبها كي يتم معالجة المقولات العصية على التطويع , بالأساليب التي لا تسبب الصراع , أو استبدالها بمقولات لينة يسهل التعاطي معها , من أجل امتصاص الاحتقان الفكري , واخص هنا مجال الدفع السياسي والتعاطي الفكري معه , في إعادة النظر وفحص المقولات الآتية : العلمانية , والعلمانية الدينية , الفكر الديني الاجتهادي والفكر الديني الأصولي , والحرية , والثورة , والحداثة ,,الخ , للعبور الى مرحلة دراسة أوضاع الإنسان واهتماماته , وهذه مرحلة متقدمة في الوعي لم نصل اليها بعد .
فالسياق المعاصر للمجتمع العربي عامة , واليمن على الخصوص , فيه الكثير من حالات الضمو

قد يعجبك ايضا