الثرثرة.. ثقافتنا ومنجزنا!!

جميل مفرح


 -  لم يعد أمام كل من كانوا يدافعون ويحتجون ويحتفظون اليوم مساحة كافية للتشكيك في الرأي القائل بأننا كعرب مجتمع حكواتي بدرجة أولى فذلك ما تثبته المتغيرات والظروف من حقبة لأخرى منذ عصورنا القديمة وحتى عصرنا الراهن..
جميل مفرح –

لم يعد أمام كل من كانوا يدافعون ويحتجون ويحتفظون اليوم مساحة كافية للتشكيك في الرأي القائل بأننا كعرب مجتمع حكواتي بدرجة أولى فذلك ما تثبته المتغيرات والظروف من حقبة لأخرى منذ عصورنا القديمة وحتى عصرنا الراهن.. فالمتابع للتاريخ منذ قديم الزمن يجد أن كل ما يتعلق بالقول والعنعنة والتناقل والتحاكي والتخابر وغير ذلك من مستلزمات وحوائج القول هي فننا المتقن الذي لا يكاد يضاهينا فيه أحد.
والغريب أن كل ما تنتجه العصور من تقنيات وآلات وتطورات ما تبرح تسخر نفسها أو بالأصح ما نبرح نسخرها لهذا الفن الذي غدا جزءا أساسيا من تكويننا من تكوين الشخصية العربية وفي هذا السياق لفت انتباهي أحد المشاهد في فيلم أمريكي كانت الفتاة تتذمر من صديقها أو حبيبها لكثرة ثرثرته وحين ضاق بها الحال ولم تعد تجد صبرا صرخت في وجه ه ليصمت ثم عادت لتقول له يبدو لي أن لك أصولا عربية أو أن أحد أجدادك كان من بدو العرب!!
> نعم هذا ما نبدو عليه ليس في ما بيننا وحسب وإنما تعدى ذلك حدودنا الاقليمية والثقافية ليصبح من أهم صفاتنا ومميزاتنا الثرثرة أما حين تدقق مليا في ثقافتنا وموروثنا فلا يكاد يفصلنا فاصل عن التأكد من ذلك والتأكيد عليه فنحن من أكثر البشر ارتكانا إلى القول وإيمانا بل وافتخارا واعتزازا به ولذلك نجد أن تاريخنا وإرثنا بالكامل خاضع للاختلاف والتباين حسب ما رواه لنا القول والتناقل والتشافه حد أننا لا نكاد نجزم بصحة ما نقل إلينا شفاها لأنه تعدد في الوصف بل وتباين ووصل الاختلاف في معظمه حد التنافر والتنازع.
> في الزمن الحديث وفي طور التحديثات التقنية والتواصلية والاتصالية تكرست هذه الحالة وتأكد هذا الوصف في مختلف الوسائل والتقنيات ولو أخذنا مثلا على ذلك خدمة الفيسبوك لكانت كافية بالحجة الدامغة على كون مجتمعنا مجتمعا ثرثارا بمستوى قياسي مقارنة مع سوانا من المجتمعات والثقافات.. فقد تحول مجتمع الفيسبوك لدينا مساحة مناسبة للثرثرة والقول في الفاضي والمليان كما يقال إلى حد مذهل ولا يكاد يصدق.. ففي الفيسبوك أصبح معظمنا بل أكثر من تسعين في المائة منا يثرثر فقط لغرض الثرثرة حتى أننا قد هبطنا بالمستوى القيمي والخدمي لهذه الوسيلة!!
> في ذات السياق وعلى مستوى التجربة الشخصية أصابني ويصيبني ذهول كبير حين أواجه في صفحات وجدران هذا الموقع الاجتماعي أصدقاء وزملاء كانوا مثالا في الصمت والهدوء وندرة الكلام والنقاش والجدل وقد تحولوا إلى آلات أو أدوات إنتاج للثرثرة والقول وتجد منهم من قد أصبح الفيسبوك عنده هو النسق الحياتي الأساسي فيما الحياة هي التفاعل الافتراضي الموازي أي أن حتى القلة القليلة التي كانت سابقا مرجعا ومثالا لإثبات عدم كوننا مجتمعا ثرثارا قد صارت اليوم شواهد دامغة على ثرثرتنا وعلى كوننا مجتمعا قوليا بالدرجة الأولى وبلا منافس.
> أخيرا.. ما أردت الاشارة إليه هو أننا ومع تلاحق العصور وتبدلها وتغير الأحوال وتطورها نظل تلك الآلات الحكاءة وأن أبلغ ما يمكن أن نعتز به أو نجده منجزا في ثقافتنا هو القول القول المجرد من كل ما يمكن أن ينتشلنا من أغوار الغياب وأقاصي الهامش المهمل والمظلم من واقعية الحياة الإنسانية المعاصرة في هذا الزمن أقصى ما نفخر به بين الثقافات الأخرى حين يقال بأننا قلنا وكنا نقول وما نزال نقول ولم نجد أنفسنا يوما نفخر بماذا فعلنا¿ ماذا صنعنا¿ ماذا أضفنا¿

قد يعجبك ايضا