مöصر التي نحöبها

يكتبها : علي أحمد بارجاء

 - لا شيء يشغلنا عن أنفسنا كما تشغلنا مصر و ما يحدث فيها, لأنها مصر التي نحبها منذ أن كنا صغارا لا نرعى البهم.
في طفولتنا كانت أول دولة حفظنا اسمها هي مصر, وأول زعيم عربي قومي عرفناه هو جمال عبدالناصر, كانوا يصرخون في وجوهنا لنصمت ونكف عن اللعب والصراخ حين
يكتبها : علي أحمد بارجاء –
لا شيء يشغلنا عن أنفسنا كما تشغلنا مصر و ما يحدث فيها, لأنها مصر التي نحبها منذ أن كنا صغارا لا نرعى البهم.
في طفولتنا كانت أول دولة حفظنا اسمها هي مصر, وأول زعيم عربي قومي عرفناه هو جمال عبدالناصر, كانوا يصرخون في وجوهنا لنصمت ونكف عن اللعب والصراخ حين ينقل أثير إذاعة صوت العرب من القاهرة خطاباته بصوته الحنون القوي, وحين كنا نرى الكبار وقد أخفضوا رؤوسهم إمعانا في الإصخاء إليه كانت تترسخ فينا قناعات بعظمة هذا الزعيم العربي الأوحد, ثم ما نلبث أن نجد كل خطاب له وقد طبع في كتيب صغير يباع في المكتبات ويتهافت الناس على شرائه واقتنائه فيزداد إيماننا بأن هذا الزعيم لا يمكن أن يتكرر, حتى أنه حين توفى كنا ممن أحس بفداحة الخسارة و عظمة المصاب الذي مني به العرب آنذاك ولم نستطع أن نسيطر على أنفسنا فبكينا كما بكى كبارنا.
اليوم حين يبدأ فخامة الرئيس المصري خطابا يغيöر المشاهدون إلى قناة أخرى أو يفكرون في النوم, لأنه سيهذي وسيمجد من نفسه ليقول: (أنا رئيس مصر), وسيعيد إلى الأذهان أنه منتم إلى الإخوان المسلمين, وسيقول كلاما كثيرا لا صلة له بالواقع ولن تسمع منه موقفا مندöدا بإسرائيل.
ومن يضطر للاستماع إليه فلأنه يفكر في أن يلتقط من خطابه ما ينفع لصياغة مجموعة من القفشات تصلح للنشر في مواقع التواصل الاجتماعي, وهكذا يفعلون مع غيره من زعماء العرب في زمن التبعية من التابعين وتابعي التابعين.
من أول الإذاعات العربية التي تسلل حبها إلى قلوبنا كانت إذاعة صوت العرب, وإذاعة القاهرة أول الصروح العربية في عالم الإعلام المسموع الذي عمل باحترافية غير مسبوقة عربيا.
أول الأغنيات التي شبت فينا عواطف الحب والوطنية لم تكن سوى أغنيات عمالقة فن الغناء العربي في مصر كأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ومحمد عبدالمطلب وعبدالحليم حافظ وكارم محمود ومحمد قنديل وشادية وقافلة من الأصوات التي جعلتنا نتشرب الجودة ونتعلم التمييز بين الفن الراقي والفن الهابط, صوت المقرئ عبدالباسط عبدالصمد ومحمود خليل الحصري ممن حفظنا عنهم آيات من القرآن كنا نسمعها من إذاعة القاهرة أو صوت العرب أو من اسطوانات القرامافون قبل أن نتلقاها في المدرسة الأولى, فحببت إلينا الاستماع إلى كلام الله وهو ينساب إلى أرواحنا نقيا شفافا تقشعر له أبداننا, أول الكتب التي قرأناها ولا نزال نضعها في أماكن عزيزة من رفوف مكتباتنا هي كتب دار المعارف بمصر, التي اقترن اسمها بصورة الفنار, وقافلة من عباقرة ورواد الأدب والفكر كطه حسين وعباس العقاد ومصطفى المنفلوطي وأحمد أمين وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وعلي أحمد باكثير بخاصة, الذي كان رابطا حيا بيننا وبين هذه البلاد الطيبة, كان كل هؤلاء هم أول من غرسوا فينا أبجديات المعرفة والرأي الحر وروائع الأساليب الكتابية التي كان يتفرد وينفرد بها كل منهم عن نظيره فيعرف بأسلوبه حتى حين يعرض مجردا عن كاتبه.
جريدة الأهرام ومجلة المصور وآخر ساعة والهلال والمختار وروز اليوسف وصباح الخير وحواء وسمير وميكي, صحف ومجلات كانت تصرفنا عن ممارسة اللعب كغيرنا من الصغار, وكنا نطالعها كمن يطالع ليجتاز فيها امتحانا, وغير ذلك مما يأتي من مصر, هكذا تسللت مصر إلى نفوسنا وعقولنا وقلوبنا وأرواحنا, فنما حبها فينا وكبر كلما كبرنا, هي التي علمتنا معنى العروبة الأصيلة ومعنى الإسلام النقي لما بيننا من وشائج في الطرائق والأساليب في تلقينا الديني الإسلامي القائم على التسامح والوسطية, حتى الوطنية بمفهومها الواسع لم نتعلم أبجدياتها إلا من مصر وشعبها, مصر النقية التي جرى حبها في شراييننا وترسخ فينا كقصة عشق عبر عنها الشاعر بشار بن برد يقوله: (والأذن تعشق قبل العين أحيانا), هكذا أحببنا مصر بكثرة ما كان يدهشنا كل ما يأتي منها, قبل أن ندرك حتى معنى حب الوطن, وكان السفر إليها هو الحلم الذي يراودنا كلما خطر اسمها على بالنا.
مصر البلد العظيم الآمن قبل أن يحجبها ويحجöبها أعداء الحياة والجمال والإبداع, ويلغي دورها الرöيادي المهووسون بالتبعية لدعاة التخلف والتجهيل والعودة إلى العصور الظلامية الواقفين ضد التنوير التي كانت مصر رائدته يوم أن كانوا هم لا يزالون أصغر عقولا من عقول نياقهم وجمالهم.
مصر اليوم التي تتجاذبها التيارات السياسية لتفوز بالصعود على عرشها,

قد يعجبك ايضا