أطفال يتامى وأرامل لا يسألون الناس إلحافا..والأغنياء تعميهم الدنيا عن الخير

عبد الناصر الهلالي


عبد الناصر الهلالي –
تلزم منزلها لا تنزل إلى أبواب المساجد’أو أرصفة الشوارع .. هي لا تستطيع فعل ذلك.. على هكذا جبلت..ينام أطفالها معظم الليالي جائعين’دون أن يسألوني أحدا..العطية إن لم تأت دون سؤال لا تعنيهم.
هذه المرأة تسكن الجراف .. مات عائلها ‘وترك لها خمسة أطفال ‘ثلاثة من الإناث’وولدين ‘كبرت البنات’ولا يزال الولدان غير قادرين على العمل.. لا يوجد لهذا المنزل من يعمل لكي يوفر لهم ما يأكلون ‘وكفى..لا يريدون أكثر من رغيف خبز’ لكل شخص منهم في كل وجبة’ وخير كثير لو تيسر الرغيف في وجبتين فقط.
تضطر أحيانا إلى الخروج في الهزيع الأخير من الفجر مع ولدها (12) عاما للخروج إلى براميل القمامة علها تجد بقايا ما تركها الآدميون المتخمون باليسر وبحبوحة العيش ‘وان لم تجد تكتفي بالقوارير البلاستيكية ‘والمعدن الذي تبيعه فيما بعد بثمن بخس.. وقبل أن يلوح ضوء الفجر في الأفق تعود إلى منزلها المتواضع’حصلت على القليل من الخبز دون أن تسأل الناس أعطوني… مثل هذه المرأة لا يلتفت لها أحد ..لا يبحث عنها أحد.. لا يفكر أحد أنها تطعم (خمسة) أبناء بقدر ما تستطيع..أنها لا تفقد الأمل في الله .. لا تتبرم من العيش التعيس .. مؤمنة بقدر الله’ومؤمنة بما يأتيها منه.
هذه المرأة ليست وحدها من تعاني شظف العيش ‘وليست وحدها من تعيش على أمل أن يأتيها ما تطعم بها أبناءها ‘فيما الكثير من الشحاذين يدعون كذبا الفقر ويفقعون مرارة الناس من السؤال’وعندما يخرجون لتوهم من المساجد التي يسألون فيها تجدهم في أسواق القات. يحذر أحد أئمة المساجد من هؤلاء لأنه على حد قوله رأى سألا بعد خروجه من المسجد في سوق القات’وهذا السائل لم يشتري بالقليل مما حصل عليه بل بـ(2000) ريال.
في شهر رمضان تكثر الجمعيات الخيرية لأجل مساعدة الناس هكذا تتحدث في برامجها ‘لكن لا أحد يثق بمعظم تلك الجمعيات على كثرتها.. والدليل عدم فوائده أنها لا تخفف ولا واحد بالمائة من الفقر.. وبحسب وزارة الشؤون الاجتماعية ‘والعمل فإن عدد تلك الجمعيات المصرح لها (7000) جمعية حتى العام 2011م.
لم تخفف هذه الجمعيات من الفقر ولا تزال في نسبة عالية إذ يصل عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في اليمن حسب منظمات دولية (11) مليون طفل ‘ما يعني أن أكثر من نصف إجمالي عدد السكان فقراء في اليمن.
وبعض الجمعيات أنشئت على أساس حزبي وتحركها دوافع طبقا لمصالح معينة’أو للاستعراض والاستقطاب في الآن ذاته ‘وبمجرد خفوت هذا الحزب’أو ذاك تختفي الجمعية من النشاط الذي كانت تدوش به الناس في فترة ما’ومثل هذه الجمعيات لا تعطي في الغالب إلا لمن ينتمي لها قط ونادرا ما تخرج عن دائرة الحسابات الحزبية الضيقة.
شاهدت بنفسي عند توزيع بعض الأغذية كيفية انتقاء هذه الجمعيات للناس حسب الانتماء أو المعرفة دون مراعاة للفقراء الذين لا يخرجون للسؤال رغم احتياجهم البالغ كما هو حال تلك المرأة التي لا تجد ما تطعم به أبناءها.
كثير من الأسر يطحنهم الفقر طحنا في الريف والمدن وتأتي الكثير من المساعدات في رمضان..الكثير من الناس يخرجون الصدقات بكميات كثيرة ‘لكنهم يعطونها لأشخاص على أساس توزيعها على الفقراء لكنهم لا يكونون عند مستوى الأمانة فيذهبون بها إلى من يعرفون بغض النظر عن شدة حاجاتهم لها أم لا مثل هؤلاء لا يخافون في مؤمن إلا ولا ذمة.
على العكس نجدها عند الكثير من الخيرين الذين يحضون على الخير ويذهبون به إلى الفقراء قبل حلول شهر رمضان بشهر’ونصف ..تعرفوا أولا على الأسر المحتاجة التي لا يوجد فيها رجل قادر على العمل.
إمام مسجد الأسطى الذي يبعد عن صحيفة الثورة بضعة أمتار خير دليل على هذا العمل النبيل..هذا الإمام منذ سنوات يسعى جاهدا قبل رمضان’ وقبل الأعياد الدينية لجمع ما يمكن جمعه أيام الجمعة ‘ويشترى بها مواد غذائية لـ(150) أسرة في الجراف’هذه الأسر لا يوجد فيها عائل قادر على العمل.. ويعتمد إمام الجامع مع مجموعة من الخيرين على أخصائية اجتماعية تذهب إلى الأسر المحتاجة ‘ومن ثم يتم توزيع المواد الغذائية لها وفي الأعياد يوزعون للأطفال الملابس’واللحوم.
هذه الجمعية المصغرة والتي يذهب ما يجمعوه من الناس إلى أهالي الحي لعبت دورا إيجابيا لتخفيف جزء من الفقر’وهو دور تفتقده جمعيات خيرية كبيرة حين تعمل خارج الإطار الذي وجدت من أجله.
ما يجب أن يعرفه الناس أن الكثير من الأسر تحلم بكسرة خبز’وهذا يتطلب مساندة الناس لهم ‘ومساعدتهم بما أمكن.. أقرضوا الله قرضا حسنا.. أعطوهم من مال الله الذي أتاكم ..لا تبخلوا على المحتاجين الحقيقيين.. هي فرصة للطاعة’والبحث عن الجنة التي يتفانى المؤمن من أجلها أو هكذا يجب.

قد يعجبك ايضا