((العودة الى الوطن)) (الحلقة الخامس والعشرين)

د. ياسين عبدالعليم القباطي

 - تحت غطاء سميك في صندوق خلفي لسيارة نقل تسير في صحراء محاذية للربع الخالي إنه وضع أشبه بالجحيم وضعني فيه السائق الذي نقلني وأخي عبدالولي من الطائف إلى نجران ليخفيني عن  عيون العسكر الذين يحرسون المدخل الشمالي لمدينة نجران عندما اكتشف
د. ياسين عبدالعليم القباطي –
تحت غطاء سميك في صندوق خلفي لسيارة نقل تسير في صحراء محاذية للربع الخالي إنه وضع أشبه بالجحيم وضعني فيه السائق الذي نقلني وأخي عبدالولي من الطائف إلى نجران ليخفيني عن عيون العسكر الذين يحرسون المدخل الشمالي لمدينة نجران عندما اكتشف إنني أضعت الورقة التي يسمونها جوازا ربع ساعة مرت كأنها الزمن بأكمله يسيل من جسمي العرق مثل عيون ماء تتدفق من بعض مناطق جلدي التي لم تصيبها البقع والجفاف وكأن تلك مناطق جلدي السليمة تعوض عن فقدان العرق من المناطق المريضة التي بهت لونها وفقدت شعرها وعرقها كدت أختنق أغرق بعرقي أتململ تحت الغطاء المعطن السميك الذي تختلط تحت سماكته رائحة العرق مع روائح الشحم وزيت السيارات ومخلفات المواشي أرتعش خوفا من أن يكتشفني الحرس ليتهم يكتشفوني ويطردوني إلى حدود اليمن ولا يحبسوني في سجنهم الكريه المليء بالبق والبراغيث والناموس والجرب حشرات تتغذى من دماء ضحايا الحرب والمنبوذين والمنتظرين للترحيل في نجران في السجون السعودية المليئة باليمنيين سجون لا توفر فيها أدنى شروط الحياة الآدمية . وبينما أنا غارق في أفكاري السوداء أحسست بأن الشاحنة تتوقف وعم السكون للحظة قبل أن يرتفع الجدل وتعلو أصوات الحرس وسائق الشاحنة لم يسعفني صبري وأنا تحت الغطاء السميك فمددت رجلي لأريحها وسمعت صوتا بدويا آجشا يصرخ كالرعد “أيها السائق اللعين ما لذي تخفيه تحت الطربال” و يرتفع الغطاء من فوقي وأكشف تحت هجير الشمس أنزلني العسكري سحبا وسكعني على رأسي وأودعني أنا وأخي عبدالولي والسائق السجن مر نصف نهار كأنه الدهر ونحن في السجن نتفاوض مع قائد الحرس لإطلاق سراح أخي عبدالولي ليحضر وثيقة من السيد أبو طالب تثبت هويتي.
نجحت محاولاتنا مع الحرس فسمحوا لعبد الولي بالخروج لينطلق في البحث عن عمي الذي كان ينتظر وصولنا في موقف الشاحنات بعد أن أبلغناه تلفونيا من الطائف بميعاد وصول الشاحنة وعاد عبدالولي وعمي ناصر بورقة مختومة بختم مولانا محمد البدر وتوقيع السيد أبو طالب.
أخذنا عمي إلى مطعم تفوح منه رائحة الشواء وقدم لنا من الطعام ما أشبع جوعي الذي استمر يومين في طريق سفر مضنية.
كان عمي قد عاد إلى نجران بعد أن تركنا منذ عامين في الطائف وبعد هدوء مؤقت للحرب الملكية الجمهورية وهناك قابل الأمير محمد بن الحسين بن يحيى حميد الدين وطلب منه سلاحا له ولمجموعته وافق الأمير على طلب عمي وأعطى بندقا آليا لكل الأفراد الذين بقوا معه وكان الشرط أن يكون السلاح عهدة عليهم أما عمي فقد كان سلاحه هبة له من الأمير وصرف له ذخيرة(20 )جنيه ذهب وحبتين ذهب لكل فرد بقي معه من المجاهدين الذين رافقونا من آنس .
تسهلت أمور عمي بعد أن تدخل الشيخ عبد الولي النهمي وهو شيخ مخلاف الجبل في آنس وتوسط عند القاضي الشوكاني من أجل إيصاله إلى الأمير محمد بن الحسين وقد تبقى مع عمي (20) رجلا من مجموعة الأربعين وانضم عمي ومجموعته إلى القوات الملكية المتواجدة في نجران في مابين عام 1964- 1965م بدون اشتراك في الحرب و استمر عمي حوالي ستة أشهر قائد لمجموعته في نجران وبعد ذلك صارح القاضي الشوكاني وكان مقربا من الأمير محمد بن الحسين برغبته في الحصول على عمل يليق بمكانته كونه شيخ وقائد لمجموعته وشرح له ما كابده من عناء في سفره مع أصحابه من آنس إلى نجران فقام الشوكاني بالتوسط لعمي عند الأمير محمد بن الحسن فاصدر الأمير قرارا بتعيينه مسئولا عن التموينات والمخازن الملكية في عقبة الجوف فغادر نجران مع مجموعته إلى الجوف حيث استمر في عمله بكل تفاني وإخلاص وفي أحد الأيام جاء احد البدو الأجلاف الذين لا يتعاملون بغير العنف والقوة وقدم لعمي أمر صرف من الأمير تاريخه قديم وقد تم صرفه من قبل محاولا صرفه مرة أخرى حاول عمي أن يفهم البدوي أن الحوالة قد صرفت من قبل وعليه أن يرجع من حيث أتى ولكن البدوي أصر على صرفها بالقوة وتكلم بطريقة غير لائقة فتشاجر عمي معه وأشهر سلاحه في وجه البدوي وصاح “الله أكبر” فتجمع الناس وأبعدوا البدوي عنه.
بعد فترة تم تعيين عمي مديرا للمحروقات في عقبة الجوف وكان يشغل ذلك المنصب شخصا فاسدا هو صالح المطري وكان يبيع المحروقات لحسابه فرفض عمي العمل حتى يتم إخلاء عهدة المطري فشكل القاضي الشوكاني لجنة لمحاسبة المطري وتم إيداعه السجن.
مرتب عمي 4 جنيهات ذهب وعمل محمد ابنه مساعدا له بثلاثة جنيهات ذهبية كان سعر الجنية 35 ريالا سعوديا استمر عمي في عمله في خدمة مولانا مت

قد يعجبك ايضا