رواية ترصد مراحل التحول الاجتماعي والصراع



أعارني الصديق العزيز والمبدع الرائع وجدي الأهدل رواية (خلف الشمس)* للقاصة والمبدعة بشرى المقطري ذات التوجهات الأدبية المختلفة والحضور الاجتماعي المتميز وهي كما علمت روايتها الأولى. و للأمانة لم أكن أتوقع أن تكون الرواية الأولى لبشرى المقطري بتلك التقنية العالية والقدرة الفنية المتمكنة من أدوات الفن الروائي الإبداعي و جمالية اللغة ومفرداتها الشاعرية والمحتوى الواقعي المتميز بالحركة والفاعلية المستمرة والرؤية الواضحة للخطاب الروائي. والخروج من التقليدية إلى آفاق تجديدية أكثر رحابة والاشتباك الحقيقي مع زخم الحياة بتفاصيلها وتداعياتها ومعاناتها اليومية المباشرة تفصل الإنساني بمفهومه الشامل عن الجمالي بمفهومه الفني الابداعي. تناغم بديع نادر التكوين بين الشكل والمضمون. رواية( خلف الشمس) هي بمثابة حزمة من أشعة الشمس تمسك بها المبدعة بشرى المقطري وتطلقها في ظلام المجتمع.
الرواية وثيقة تاريخية سياسية شاهدة على عصرها إدانة حقيقية لحقبة تاريخية بمراحلها المختلفة ورموزها وشخوصها بأسمائهم الحقيقية وحضورهم وبصماتهم في سجلنا السياسي أمثال: محمد خميس سالم ربيع إبراهيم الحمدي جماعة فتاح.. مرحلة من أهم مراحل التحول الاجتماعي والصراع بين قوى التخلف والقوى الاجتماعية الأخرى التي تحمل مفاهيم العدالة الاجتماعية والتطور والمساواة في المواطنة. رصد لواقع اجتماعي تاريخي وسياسي وإبراز لتناقضاته وتصدعاته بصدق جارح يحمل الكثير من المعاني والدلالات والأحداث المؤلمة. تجسيد لتلك المرحلة الاجتماعية من خلال المعاناة النفسية لشخصيات الرواية وكشف لملامح تلك المرحلة بكل بؤسها المادي و الروحي.
بالرغم من أن الطابع العام للرواية هو التاريخ السياسي إلا أن الرواية تجاوزت التقريرية السياسية المباشرة وسياسة فن الممكن ـ الفن الرمادي ـ الذي يحتم المرونة والمهادنة والمراوغة والحذر(خطوة إلى الإمام وخطوتين إلى الخلف) واعتمدت على ما هو فني إبداعي والتوازن بين عفوية الحكي وضرورة البناء الفني المحكم والالتزام بفن الرواية الجديدة من خلال بنيتها الخاصةتعدد الأصوات وإطلاق الخيال بشكله الواعي وتجاوز الأطر المحددة المغلقة وعدم الالتزام بالتسلسل الدرامي الهرمي والنمطية المتعارف عليها من بداية ونهاية. اعتمدت الرواية على الرصد والوصف وأهملت العقدة كمحور ارتكاز للعمل الفني. كل ذلك فتح آفاق أبعد وأرحب حتى الوصول إلى المستحيل ذاته في لحظة تماه ساحرة بين الحلم والواقع والحقيقة. أقف مع الرواية وقفة احترام لها واحترام للجهد المضني الذي بذل فيها.
تعالج الرواية وقائع ومواقف وأحداث من تاريخنا المعاصر تم ذكرها وهي حقيقة لا شك في حدوثها تمت معالجتها بأسلوب وتقنية الرواية والالتزام بقواعدها الفنية الإبداعية وارتباط تلك الأحداث بالعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية. الإنسان هو موضوع الفن وحين تطرح السياسة والتاريخ فنيا فذلك من خلال علاقات ومواقف إنسانية. أما التناول السياسي والتاريخي البحت فذلك مجاله آخر تماما. تمزج الرواية بوضوح ما بين الواقع والحلم والسيرة الذاتية بإتقان فني وصور جمالية وروح شاعرية تفيض بالشجن والمعاني الإنسانية تزلزل أعماقنا وتصوراتنا ومفاهيمنا وثقافتنا. تطالبنا بإعادة إنتاج أفكارنا وثقافتنا بشكل متوازي مع واقعنا المعاش وتوفير الظرف الموضوعي من أجل الوعي الجماعي والتنوير وامتلاك الوسائل اللازمة لصياغة أحلامنا وآمالنا ومستقبل البسطاء والمستضعفين.
الرواية مجموعة من المنولوجات لشخصيات جميعها محورية وبواسطة المونولوج تكشف الشخصيات عن عالمها الداخلي والحياة الباطنية والجانب الخفي من النفس البشرية ونوازعها الإنسانية وما يدور من أفكار ومشاعر ومعاناة في العقل الباطني للشخصية وأيضا موقفها من العالم الخارجي من خلال رؤيتها الخاصة وارتباطها المباشر بالحدث وما يشكله من أهمية بالنسبة لها منطلقة من كيانها النفسي ووعيها وتفسيرها للواقع الخارجي كما تراه الشخصية وليس كما هو في الواقع الفعلي.
يوسف: أحد الشخصيات المحورية في الرواية يمد جسرا من التواصل الحميم والمشاعر النبيلة والود الصادق مع المتلقي. ومنذ الوهلة الأولى يتمكن من مشاعرنا وينال تعاطفنا كصاحب قضية يحملها بقناعة المتصوف وإيمان المجاهد وصبر الأنبياء. يتحمل المعاناة والقسوة وسنوات العذاب واستلاب الذات الإنسانية وقتل أعمق ما في الإنسان البسيط من أحلام ورغبات وآمال في تغيير الواقع البائس إلى واقع أكثر إشراقا وإنسانية. تحمل العذاب والقسوة الهمجية التي تتجاوز حدود الموت والجنون من (خميس) وزبانيته نيابة عنا وباسمنا ومن أجل أن نعيش كبشر بحرية وكرامة ونحصل على العدالة الاجتماعية. دفع عقله و ربيع عمرهö ثمنا لتغيير تلك الأوضاع غير الإنسانية والمتوحشة وخلق لحظة المواجهة الحاسمة لتداعيات الإحباط والجمود والت

قد يعجبك ايضا