أزمة الشرعية هل هي سبب أزماتنا الراهنة¿
أ.د طـه أحمد الفسيل
أ.د طـه أحمد الفسيل –
ترتكز السلطة السياسية في المفهوم السياسي المعاصر ( وهو المفهوم الغربي السائد حاليا) على قاعدتي الشرعية السياسية والمشروعية القانونية منذ بداية تقلدها وفي استمرارها وبقائها في الحكم باعتبارهما من الضوابط الرئيسية للحد من استبداد السلطة الحاكمة وضمان عدم خروجها عن حدود التشريعات القانونية والقواعد والأعراف العامة.
تعتبر هذه المقالة محاولة موضوعية لتوضيح أبعاد وعناصر مفهوم الشرعية وبالتالي فإن التمسك بشرعية الصناديق أو الشرعية الثورية قد يؤدي إلى نتائج وعواقب وخيمة في دول الربيع العربي. على أن نحاول الاقتراب من مفهوم السياسة الشرعية في الفكر السياسي الإسلامي باعتباره المفهوم الذي تستند إليه بعض الأحزاب والحركات الإسلامية في مقالة تالية.
تعرف الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعية الشرعية Legitimacy بأنها “الأسس التي تعتمد عليها الهيئة الحاكمة في ممارساتها للسلطة وتقوم على حق الحكومة في ممارسة السلطة وتقبل المحكومون لهذا الحق” وهذا يعني التزام القائمين على السلطة بفلسفات وأيديولوجيات مجتمعهم. فالشرعية تنصرف في مفهومها السياسي العام إلى قبول المحكومين طوعا بحق القائمين على السلطة بممارسة هذه السلطة وبالتالي قبولهم ما يصدر عنهم من قرارات أو تشريعات.
وبالتالي فشرعية أية سلطة حاكمة تتضمن بصورة عامة العديد من الأسس والمبادئ في مقدمتها:
– أن يكون تولي السلطة قد تم وفقا للدستور والقوانين السارية أي الوصول للحكم بطرق ديمقراطية وهذا ما يمكن أن نسميه بشرعية الـتأسيس أو تقلد السلطة. وقد يتحقق الرضا استنادا إلى ما يسمى بـ”الشرعية الثورية” مثل القبول بالحكام الذين يتولون الحكم بعد الثورات. ومع ذلك يشير دليل المصطلحات السياسية 2012م إلى أن جميع من تولوا السلطة استنادا لمبدأ الشرعية الثورية قد أطيح بهم إما من خلال انقلاب عسكري أو ثورة شعبية أخرى أطاحت بهم.
أما شرعية بقاء الحكام في السلطة واستمرارهم في الحكم فإنه يتوقف على أمرين أساسيين هما:
– التزام السلطة الحاكمة بصورة كاملة بالأهداف والقيم العليا للمجتمع الذي تحكمه.
– شرعية الإنجاز أي الإنجاز الفعلي على أرض الواقع بحيث تستمد السلطة الحاكمة شرعية بقائها في السلطة واستمرارها في الحكم بمدى استجاباتها لاحتياجات ومطالب وتطلعات شعبها من خلال السياسات والإجراءات التي تتبعها والقوانين التي تصدرها في كافة الجوانب والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية…وغيرها. وعادة فإن المطالب الشعبية الاقتصادية والاجتماعية تتمثل في زيادة الرفاهية وتحسين مستوى المعيشة. ويعد الإنجاز هو المصدر الأهم للشرعية في العصر الحديث ووقتنا المعاصر وهو أكثر المصادر تحديدا ووضوحا باعتباره هو المصدر الحسي المادي الملموس على أرض الواقع على عكس المصادر الأخرى للشرعية التي تعتمد على أحكام قيمية معنوية والتي أشار لها الفيلسوف الألماني ماكس فيبر مثل المصادر التقليدية للشرعية (الدينية أو القبلية أو العائلية) أو مصدر كاريزما الرئيس أو القائد أو الزعيم التي يستمد منها الحاكم شرعية سلطته.
الشرعية إذن ذات بعد سياسي تبدأ بحيازة السلطة بالطرق الديمقراطية كما أنها في الوقت نفسه ذات طابع وظيفي تهتم بصورة أساسية بالجانب العملي والفعلي في ممارسة السلطة السياسية لوظائفها والمهام المناطة بها.
فمفهوم الشرعية يشير إلى الأسس التي تحكم علاقة المحكومين بالحاكم بحيث يعتبر القبول الطوعي للمحكومين بحق الحاكم في أن يحكم وأن يمارس عليهم السلطة ورضاهم عن ممارساته هو جوهر الشرعية وأساسها الأول.
في المقابل يشير مفهوم المشروعية إلى قيام سلطة سياسية من جانب وقيام نظام قانوني من جانب آخر. ولذلك ينصرف مفهوم المشروعية في مضمونه العام إلى خضوع السلطة السياسية وهيئاتها الحاكمة للنظام القانوني والالتزام به مثلها مثل المحكومين معا لأخذ في الاعتبار أن مصدر النظام القانوني هو القانون الوضعي الذي تضعه السلطة الحاكمة في حدود ما هو متاح لها من سلطة.
ولذلك يؤدي تجاوز السلطة الحاكمة للشرعية (بمفهومها السابق) أو تأكلها أو فقدانها لها إلى افتقاد هذه السلطة مبرر طاعتها من قبل المواطنين أما إساءة استخدام السلطة الحاكمة للمشروعية أو التجاوز عنها ترتب عليها جزاء مدنيا وجنائيا توقعه الهيئات المختصة على الشخص أو الهيئة الحكومية التي خالفت النظام القانوني أو تجاوزته.
ونتيجة لأن المشروعية تحدد علاقة السلطة الحاكمة بالمحكومين بينما تحدد الشرعية علا