هوامش حميرية عن كرب آل وتار
محمد صالح الحاضري
محمد صالح الحاضري –
يتضح من النقوش أن كرب آل وتار كان يريد في (610) قبل الميلاد تأسيس دولة واحدة لليمنيين في وقت ثمة فيه أعداء أقوياء يقفون في طريق هدفه وهم أعداء غير كارزميين بمعنى غير مشغولين مثله بهدف بناء دولة يمنية واحدة وإنما هم زعماء قبائل أقوياء لا يتعدى طموحهم حجم القبيلة ويكادون يرون في هدفه تهديدا لنفوذهم القبلي ومصالحهم الصغيرة.
لقد جاء في نقش عن الملك كرب آل وتار أنه حقق هدفه في معركة حاسمة قتل فيها أربعون ألفا.
إن هذا الرقم وحشي ولكن داخل نفس النقش مذكور ما معناه أنه قال عن أسس التوحيد أنها تتضمن المساواة بين اليمنيين وأنه سيعمل على أن يكونوا بنفس المستوى داخل الواقع الكياني الموحد فيتضح من ذلك أن كرب آل وتار يتكلم بلغة القائد الواعي بشروط البناءات الكيانية الوطنية وأنه كلام يتضمن فكر الدولة.
الشروط الاقتصادية
يتضح من واقع تلك الفترة التاريخية أن الذهب كان قد اكتشفه اليمنيون وأنه أساس الخلفية الاقتصادية الداعمة لمشروع كرب آل وتار وكذلك كانت التجارة أساسا اقتصاديا لواقع تلك الفترة من ناحية عائدها المالي باعتبار الزراعة كانت أساسا غذائيا للمجتمع بالدرجة الأولى وتندرج تبادلاتها في نظام التجارة الداخلية.
إن هذا المستوى الاقتصادي العام للواقع التاريخي اليمني أيام كرب آل وتار ليست ظاهرته السياسية الوطنية إلا نتاجا لتطور الظاهرة الاقتصادية في زمن أقدم من زمنه ويبدو أن عوامل ضعف كانت تعتري النظام المركزي للدولة نتيجة ضعف الملك أو الملوك بين الفترتين فلم يكن معهودا في الحالة اليمنية أن يتوالى على الحكم ملوك كلهم أقوياء وإنما يخلف الملك المؤسس للمرحلة المركزية القوية للدولة ابنه الأكبر ولا يكون قويا مثله وإذا كان قويا فمنú يخلفه قد لا يكون مثله.
إن الشروط الاقتصادية لدولة كرب آل وتار كانت مرتبطة بتأمين طرق التجارة البرية فكان مسرح قيامها هو شمال الشمال باعتبار نجران وإقليم عسير كانا طريق التجارة اليمنية إلى الحجاز والشام وما ورائهما فكأنما كانت العقبة الرئيسية أمام اكتمال شروط الدولة بالمفهوم الذي حققه كرب آل وتار هي هذه المنطقة فكانت الأحداث المذكورة في النقوش متعلقة بها لهذا السبب وأن كرب آل وتار كان يحكم المناطق الجرافية لما يلي شمال الشمال جنوبا باتجاه الوسط صعدة وصنعاء وذمار إلى عدن في الجنوب ولم تكن التجارة البحرية قد تطورت في عهده بحسب ما سيتضح من انتقال الأهمية إلى عدن وتحولها إلى مسرح الأحداث في عهد شمر يهرعش مع تطور التجارة البحرية بعد ثمانمائة عام من عهد كرب آل وتار.
الهضبة اليمنية
لقد ورد اسم الجوف في عهد كرب آل وتار ولكن باعتبارها من المناطق المحاذية لشمال الشمال «عسير» فهي كانت عاصمة معين وتحولت مارب بعدها إلى عاصمة لسبأ ولكن في عهد كرب آل وتار كانت هاتين المنطقتين تعيشان الفترة الوسيطة بين انتقال المركزية منهما إلى داخل الهضبة فكانت صعدة حاضرة في نشاط كرب آل وتار ويبدو أن مارب والجوف لم تكونا قد تقبلتا حتمية انتقال المركزية منهما مع أن سكانهما بدأوا يغادرونها إلى داخل الهضبة وبعضهم إلى خارج اليمن نتيجة انحسار الشروط الاقتصادية الزراعية في المشرق مع تهدم سد مارب التي أساسا هي هبة سيول الهضبة عند مرورها إلى الربع الخالي من فتحة البلقين الأيمن والأيسر وهما جبلان تم حجز بينهما مياه تلك السيول داخل سد مارب بدلا من ذهابها إلى الربع الخالي ومع الزمن زاد الزحف الصحراوي وزادت نسبة السكان داخل الهضبة اليمنية وبات حتميا بناء الشروط الاقتصادية للهضبة نظامها السياسي وتتشكل به المركزية الإدارية الجديدة فما حدث من ضعف للشروط الاقتصادية في مارب والجوف كان يوازيه تنامي قوة الشروط الاقتصادية للهضبة وانتقال السلطة إليها بالضرورة فحدث أن شعرت مارب والجوف بالتهميش نتيجة تلك الظروف ومن الواضح أنهما امتلكتا موقفا من السلطة الجديدة للهضبة وكان لا بد من حسم عدم تقبلهما للواقع الجديد في إطار مشروع كرب آل وتار ومسرحه المتعلق بعسير التي هي الجزء الشمالي من الهضبة اليمنية الممتدة إلى جزئها الجنوبي في يافع وبهذا المفهوم كانت حركة الملك كرب آل وتار هي حركة الشروط الاقتصادية الجديدة لزمن ما بعد معين وسبأ بمفهوم شروطهما الاقتصادية القديمة.